الابتكار كفلسفة حياة – جيمس دايسون

طوال عقود من ابتكارها للمرة الأولى في مطلع القرن العشرين، كانت المكانس الكهربائية تقنية مثيرة للاهتمام دون شك، لكنها تعاني من مشاكل جسيمة رافقتها طوال عقود طويلة، وبالأخص فيما يتعلق بتلويث الهواء و«أكياس الغبار» قليلة الكفاءة الخاصة بها. وفيما كان معظم المستخدمين حينها متصالحين مع هذا الواقع، ويرون في هذه المشكلة عرضاً جانبياً متوقعاً من آلة توفر الوقت والجهد، فقد كان رأي مهندس ميكانيكي باسم جيمس دايسون مختلفاً، وسعى لإحداث تغيير حقيقي في المجال.
فيما يتوقف معظم المبتكرين عن التجربة بعد عدة محاولات فاشلة وبضعة أسابيع من التجارب، فقد كان السير جيمس دايسون مصمماً على أن يجد حلاً للمشكلة التي تواجهه. وعلى مدار 15 عاماً، صنع 5,126 نموذجاً أولياً لمكنسة كهربائية، وفشلت جميعها بتحقيق تطلعاته لإحداث ثورة في المجال. لكن ومع الإصرار، كانت المحاولة رقم 5,127 ناجحة، وأنتجت المكنسة الكهربائية الأولى لدايسون والشركة التي حملت اسمه لاحقاً.
بعد نجاح النموذج الأولي لمكنسة دايسون الكهربائية، لم تنتهِ التحديات فجأة، بل أنها استمرت بالظهور مع عقبات أمام تصنيع وتوزيع المكنسة في المملكة المتحدة، واحتاج الأمر الانتقال إلى اليابان، على الجانب الآخر من الأرض، لإطلاق المنتج بنجاح. ومع تجاوز هذه التحديات، اكتسبت شركة دايسون تحدي العقبات كجزء أساسي من حمضها النووي، فقد قامت على التجربة وتجاوز الفشل في البداية، واستمرت على نفس النهج عبر مراحل نموها ونجاحها.
مؤخراً، وعلى هامش معرض IFA المقام في العاصمة الألمانية برلين، حضرت مينا تك حدث إطلاق الجيل الجديد من منتجات شركة دايسون. وعلى جانب الحدث، كان فريقنا حاضراً في جلسة حوارية طرح فيها الإعلاميون أسئلتهم واستفساراتهم على مؤسس الشركة، السير جيمس دايسون، والذي استفاض بالحديث عن منظوره للابتكار وسلط الضوء على ما يمكن اعتباره فلسفة مميزة للشركة.
الجرأة على كسر القواعد
كان أحد أكثر النواحي المثيرة للاهتمام في الحديث هو رؤية السير جيمس دايسون: «الابتكار لا يُبنى على استطلاعات رأي، بل على رؤية وشجاعة». فعلى الرغم من أن رضا المستخدمين له أهمية كبرى في نجاح المنتجات، فالابتكار يعني الحاجة لكسر التقاليد وتجاوز ما هو متوقع من المستخدمين، ولو واجه الأمر تحديات في القبول الأولي، حيث استطرد دايسون قائلاً: «الأمر المثير هو أن السير عكس ما تقترحه أبحاث السوق، وأن تكون شجاعاً كفاية لفعل ذلك. مثلاً هناك الحاوية الشفافة في المكانس الكهربائية، لقد قالت كل أبحاث السوق أن الناس لا يريدون رؤية الأوساخ، وحتى الموزعون رفضوا بيعها. لكن كان علينا أن نكون شجعاناً كفاية لتبنيها لأن إحساسنا أخبرنا أن هذا الأمر سينجح.»
تقليد المنتجات غير أخلاقي

بالنظر لكونه مبتكراً قضى سنوات عديدة في التجارب والتعامل مع الفشل ومحاولة تجاوزه، يعتبر دايسون أن تقليد المنتجات واستنساخ التقنيات الناجحة ليس أمراً جيداً، بل أنه يمتلك تأثيراً سيئاً على الصناعة والمستخدمين على حد سواء. وشارم رؤيته للأمر بوضوح قائلاً: «هناك أشخاص يعتقدون أن تقليد الآخرين أمر جيد للمستخدم، لأن ذلك ينتج المنافسة. لكن وفي الواقع، أعتقد أن الأمر بالعكس تماماً، فالمستخدم يحصل على خيارات أقل بالنتيجة. وأعتقد أن الأمر غير أخلاقي، فالناسخون لم يحتاجوا للبحث ولم يكن عليهم التجربة ورؤية إن كان الناس سيشترون منتجاتهم أم لا لأنهم يستنسخون منتجاً ناجحاً فحسب. نحن لا نسمح بالتقليد في الموسيقى، فلماذا نسمح بالأمر في المجال الصناعي، حيث الاستثمارات أكبر؟»
الفشل مكون أساسي للابتكار
بالنظر إلى نشأة شركة دايسون، فمن الواضح أن التجارب والفشل شكلتا جزءاً أساسياً من الحمض النووي لها. حيث واجهت الشركة العديد من الصعوبات والمراحل الحرجة، وذللت الكثير من العقبات بالطبع، لكنها دفعت كذلك ثمن الريادة والسير عكس ما هو مألوف. فحتى أبعد المبتكرين والقادة نظراً لا يمكنهم التنبؤ بالمستقبل دائماً، ولا بد لهم من التصالح مع كون الفشل سيستمر بالظهور ومن الأفضل التركيز على كونه فرصة للتعلم أكثر من كونه عثرة أمام العمل. وفي هذا يقول السير دايسون: «أحياناً تعمل الأشياء، وأحياناً لا تعمل. نحن معتادون على الفشل، فمن يجرب يفشل.»
التقنية لمساعدة المستخدم ولو لم يشعر بها
منذ البداية كانت هوية دايسون مرتبطة بتقديم تقنيات جديدة إلى المجال والبحث عن الطرق الأفضل للاستفادة منها، وتستمر الشركة اليوم على هذا النهج مع استخدامها للذكاء الاصطناعي لإتاحة التعرف على أنواع الأرضيات وضبط التنظيف حسب نوعها لمكانسها، واكتشاف البقع وعدم تركها حتى تنظيفها تماماً في المكانس الروبوتية. لكن مقاربة الشركة مميزة بكونها تهتم بالنتائج وتجربة المستخدم بدلاً من الاستعراض التقني فحسب. حيث تعمل التقنية في الخلفية، وتساعد في تسهيل حياة المستخدم ولو لم يلحظ وجودها أصلاً. ويتناول السير دايسون استخدام شركته للذكاء الاصطناعي قائلاً: «على المحركات أن تعمل بسرعات مختلفة حسب الارتفاع عن البحر، فعلى المحرك الدوران بسرعة مختلفة في مدينة مكسيكو مثلاً مقارنة بلندن الواقعة على مستوى البحر. وقد استخدمنا الذكاء الاصطناعي لحل هذه المشكلة وتعديل سرعة المحرك. نحن نستخدم الذكاء الاصطناعي منذ وقت طويل جداً، وبالطبع فنحن نستخدمه بشكل أكبر الآن.»
على الرغم من مضي أكثر من ثلاثة عقود على تأسيسها، لا تزال شركة دايسون محافظة على الفلسفة التي تأسست عليها منذ البداية. حيث لا يزال تركيز الشركة منصباً على التجربة، والابتكار، وتحدي المألوف. وفيما تعني هذه المقاربة العديد من التحديات والعقبات، فهي كذلك سر نجاح الشركة وازدهارها المستمر.