التهديد قادم، فهل مجلس الإدارة مستعد؟

مقال ضيف بقلم ريتشارد كاسيدي، المدير الإقليمي لأمن المعلومات في أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا لدى شركة روبريك
يواجه مسؤولو أمن المعلومات في الشرق الأوسط تحدّياً مختلفاً بعض الشيء، وهو كيف يشرحون لمجالس الإدارة، المنشغلة بالنمو السريع والابتكار الرقمي، أهمية الاستعداد للتعافي من الهجمات السيبرانية؟ فالأمر يتجاوز الجوانب التقنية، ويتطلّب إعادة صياغة دور الأمن السيبراني ليتحول من عبء مالي إلى عنصر استراتيجي يضمن استمرارية الأعمال، ويحافظ على ثقة العملاء، ويُمكّن الشركات من الابتكار الآمن والمستدام.
فالمنطقة تشهد موجة تحوّل رقمي غير مسبوقة، تقودها رؤى وطنية طموحة مثل “رؤية السعودية 2030”. فهذا التوسع الرقمي السريع، المترافق مع تصاعد التوترات الجيوسياسية، يُنتج بيئة أكثر تعقيداً؛ بيانات حساسة بأحجام هائلة، وأنظمة متفرقة ومنعزلة، ورقابة تنظيمية أشد. وهي بيئة تجعل المؤسسات هدفاً جذّاباً للمجموعات المتقدّمة في التهديدات السيبرانية، وللجهات الفاعلة المدعومة من دول.
في هذا السياق المتغيّر، يصبح من الضروري أن يبادر مسؤولو أمن المعلومات إلى رفع مستوى الحوار داخل المؤسسات، والوصول برسالتهم إلى طاولة مجلس الإدارة. والرسالة واضحة: لا يمكن تحقيق التحوّل الرقمي دون حماية رقمية موازية. فالاستثمار في استمرارية الأعمال لم يعد خياراً، بل ضرورة لضمان الثقة، وحماية المستقبل التشغيلي للمؤسسات. وكلما كان الخطاب مبسطاً وواضحاً، كانت قرارات الدعم والتمويل أسهل وأسرع.
لإيصال القيمة الحقيقية للاستثمار في الجاهزية للتعافي من الهجمات السيبرانية، لا بد من تغيير زاوية الطرح؛ أي تحويله من كونه بنداً مالياً يُثقل كاهل الميزانية، إلى أداة تمكين حيوية تُعزّز أداء الأعمال وتدعم استمراريتها. وتكمن نقاط الارتكاز الرئيسية لهذا التحوّل المفاهيمي في الآتي:
- التركيز على استمرارية الأعمال والمرونة التشغيلية: تُسهم الجاهزية الفاعلة للتعافي في ضمان قدرة المؤسسة على استئناف عملياتها الحيوية بسرعة، والحد من فترات التوقف، ما ينعكس مباشرة على حماية الإيرادات. وهنا ينبغي تأطير الاستثمار بوصفه دعامة للابتكار المستمر والنمو المتوازن، لا مجرد إجراء وقائي.
- حماية السمعة والحفاظ على ثقة العملاء: في اقتصاد تقوده البيانات والتجارب الرقمية، يُشكّل التعافي السريع والفعّال من الأزمات عاملاً حاسماً في الحفاظ على صورة العلامة التجارية، وولاء العملاء، والانطباع العام في السوق. ويمكن تعزيز الرسالة بإبراز حجم الخسائر المحتملة على هذه الأصول عند حدوث انقطاع طويل أو فقدان للبيانات.
- الحفاظ على الميزة التنافسية: يساعد الاستعداد القوي للتعافي المؤسسات على تجنّب الانقطاعات الجسيمة التي قد يستغلها المنافسون لتعزيز موقعهم في السوق، وبالتالي الحفاظ على موقع المؤسسة الريادي دون تراجع.
الأثر المالي للهجمات السيبرانية
لا شيء يلفت انتباه مجالس الإدارة وصنّاع القرار التنفيذيين أكثر من التكلفة المالية للهجمات السيبرانية. فالأرقام واضحة، والنتائج صادمة، وتأثيرها يمتد إلى قلب العمليات التشغيلية. إن القدرة على قياس الخسائر المحتملة الناجمة عن غياب الاستعداد أو ضعف الاستجابة، تُعد من أقوى أدوات الإقناع في النقاشات الاستراتيجية مع مجلس الإدارة وأصحاب المصلحة الرئيسيين.
- تكلفة توقف أو تعطل العمليات: تقديم مؤشرات دقيقة حول التكلفة المباشرة لكل ساعة أو يوم من تعطل الأنظمة، سواء من حيث فقدان الإيرادات، أو انخفاض الإنتاجية، أو الغرامات المحتملة. ويمكن الاستناد إلى مؤشرات إقليمية، مثل متوسط تكلفة اختراق البيانات في الشرق الأوسط، التي تتجاوز 8 ملايين دولار أمريكي، لتوضيح حجم الخسائر المالية المتوقعة.
- الغرامات التنظيمية والمسؤوليات القانونية: تسليط الضوء على تزايد الرقابة التنظيمية في المنطقة، وما يترتب عليها من غرامات كبيرة إذا حدث خرق للبيانات أو عدم الامتثال. فلا يحدّ وجود خطة تعافٍ قوية من تبعات الحوادث فحسب، بل يقلّص أيضاً المخاطر القانونية.
- أقساط التأمين السيبراني والمطالبات: مناقشة كيف يمكن للجاهزية المُثبَتَةِ للتعافي أن تسهم في خفض أقساط التأمين السيبراني، أو تسريع عملية التعويضات عند وقوع حادث.
- تكلفة الفرص الضائعة: توضيح أنّ تعافياً بطيئاً أو متعثراً قد يُشتّت الموارد، ويؤخّر مبادرات الابتكار، ويُضعف قدرة المؤسسة على اقتناص فرص السوق في الوقت المناسب.
المواءمة مع أهداف المؤسسة
عندما يُنظر إلى الأمن السيبراني بمعزل عن الأهداف الرئيسة للمؤسسة، يتحوّل تمويله إلى مجرّد بند تكتيكي ضمن ميزانية تقنية المعلومات. أما دمجه ضمن البرنامج الأشمل للمؤسسة، فلا يُسهم فقط في تأمين الموارد، بل يرفع كذلك مستوى الاهتمام بالموضوع إلى مستوى القيادة العليا.
- دعم التحول الرقمي: تقديم جاهزية التعافي كركيزة أساسية لنجاح أي مبادرة تحوّل رقمي. فمن دونها، تصبح المشاريع الرقمية الجديدة أكثر عرضة للمخاطر، وقد تتهدد استمراريتها.
- تمكين النمو: توضيح أنّ امتلاك قدرات قوية للتعافي يُمكّن المؤسسة من تبنّي استراتيجيات نمو طموحة، إذ تعلم أنها قادرة على مواجهة التحديات السيبرانية دون أن تضطر إلى إيقاف عملياتها.
- حماية الاستثمارات: التأكيد على أهمية استثمارات الأمن السيبراني، خاصة تلك المخصصة للتعافي، في حماية الاستثمارات التقنية والابتكارية الأخرى. فالحماية الرقمية ليست فقط وقاية، بل تأمينٌ لكل ما تم بناؤه رقمياً.
توظيف الأمثلة الواقعية لتعزيز الوعي داخل مجالس الإدارة
الاستناد إلى أمثلة واقعية لهجمات سيبرانية حدثت حول العالم لا يكتفي بإبراز أهمية الجاهزية فحسب، بل يُثير الأسئلة، ويكشف عن ثغرات محتملة يجب التعامل معها على مستوى المؤسسة ككل.
- أمثلة من الواقع العملي: الرجوع إلى دراسات حالة منشورة وموثوقة يُعد أمراً أساسياً، ليس فقط لتتبّع نماذج الهجمات، بل أيضاً لفهم تعقيد المشهد السيبراني الحديث. وهي أمثلة تُؤكّد أن السؤال لم يعد: «هل ستقع الهجمة؟»، بل «متى؟»، وبالتالي تصبح الجاهزية خياراً حتمياً لا غنى عنه.
- تثقيف مجالس الإدارة: عرض تلك الأمثلة، إلى جانب السيناريوهات المحتملة وخيارات التعامل معها، يتيح لمسؤولي الأمن السيبراني شرح خطورة التهديدات بوضوح، ويُسهم في تثقيف فرق العمل وأعضاء مجلس الإدارة حول الاتجاهات المقبلة في عالم الأمن السيبراني ومستقبل الأعمال.
في المحصلة، آن الأوان لأن تُولي مجالس الإدارة اهتماماً جاداً بهذا الملف. فالمرونة السيبرانية لم تعد خياراً، بل هي شبكة الأمان التنفيذية التي تحمي السمعة، والإيرادات، والقدرة على تنفيذ الاستراتيجيات. ومع ازدياد تعقيد الهجمات وتطوّر أساليبها، فإن المسؤولين الذين لا يُجيدون توصيل أهمية الجاهزية إلى فرقهم، هم مَن تحتاج مؤسساتهم إلى التدخل العاجل قبل فوات الأوان. والتأكيد على أن المرونة السيبرانية عنصرٌ محوري في استمرارية الأعمال لم يعد أمراً ثانوياً، ولا يمكن النظر إليه بوصفه مسؤولية تقنية فقط، بل أصبح اليوم شأناً استراتيجياً يمسّ مستقبل المؤسسة بأكمله.