الحدود الجديدة لتجربة العملاء: التكامل بين الإنسان والذكاء الاصطناعي

مقال ضيف بقلم فؤاد الجريس، الشريك المؤسس والرئيس التنفيذي لمقسم


لطالما كان صعود الذكاء الاصطناعي موضوعاً يثير الفضول والقلق على حد سواء، خاصةً للعاملين في المجالات التي قد تتعرض للأتمتة. بصفتي أحد مؤسسي شركة مقسم، التي كانت رائدة في مجال حلول الاتصالات السحابية المدعومة بالذكاء الاصطناعي العربي، فقد رأيت بنفسي كيف أن هذه التكنولوجيا لا تغير قواعد اللعبة فحسب، بل تخلق لعبة جديدة تماماً. فبينما يرى البعض أن الذكاء الاصطناعي سيحل محل الموظفين، أعتقد أنه شريك قوي يمكنه الارتقاء بالإمكانيات البشرية وبدء حقبة جديدة من كفاءة الأعمال.

أكثر من مجرد مركز اتصال

وُلدت فكرة مقسم من تحدٍ بسيط، ولكنه عميق واجهته أنا وشريكي المؤسس، سنان طيفور، في شركتنا السابقة، وهي منصة تجارة إلكترونية تُدعى كاش باشا. لقد خدمنا شركات عالمية مثل أمازون وإيباي وغيرهما، بهدف تسهيل الشراء من هذه المواقع في الأسواق العربية التي لم تكن تُخدم من قبل. أدركنا أن التواصل مع العملاء في مختلف الدول العربية يمثل معضلة كبيرة. كانت “الأنظمة القديمة” التقليدية باهظة التكلفة ومعقدة للغاية بالنسبة للشركات الناشئة والمتوسطة. كنا بحاجة إلى حل لا يكون فعالاً من حيث التكلفة فحسب، بل وأن يُبنى أيضاً من العالم العربي، وللعالم العربي.

ما بدأ كأداة داخلية لحل مشكلتنا الخاصة سرعان ما تحول إلى مهمة لإعادة تعريف الاتصالات التجارية.

مقسم هو نظام مركز اتصال قائم على السحابة يوفر أرقاماً محلية في مدن حول العالم، مما يساعد الشركات على إقامة وجود محلي بتكلفة معقولة. إنه يوفر منصة موحدة للاتصال الصوتي وعبر واتساب مع إعداد سريع وسهل، مما يلغي الحاجة إلى الأجهزة المعقدة أو المهارات التقنية المتقدمة.

لكننا لم نتوقف عند هذا الحد. قمنا بدمج الذكاء الاصطناعي لتقديم أدوات متقدمة مثل تسجيل المكالمات، والتحليلات الشاملة، وتحليل المشاعر. هذا يحول المحادثات من لحظات عابرة إلى بيانات قابلة للتنفيذ، مما يساعد الشركات على فهم احتياجات العملاء وتحسين الأداء. باستخدام هذه الأدوات، يمكن لمركز الاتصال أن يتحول من مجرد مركز تكلفة إلى مركز ربح قوي.

قوة الذكاء الاصطناعي العربي

أحد أعظم إنجازاتنا كان تطوير نموذج ذكاء اصطناعي يتفوق في فهم اللهجات العربية والتحدث بها. كان هذا تحدياً كبيراً بسبب تنوع اللغة، من اختلاف اللهجات إلى الخلط المتكرر بين العربية ولغات أخرى مثل الإنجليزية والفرنسية. كما أن المحتوى الرقمي المتاح لتدريب هذه النماذج باللغة العربية محدود.

مواضيع مشابهة

من خلال إنشاء مجموعة بيانات خاصة بنا والاستثمار بكثافة في البحث والتطوير، قمنا بإنشاء نموذج لتحويل الكلام إلى نص يتفوق على عمالقة التكنولوجيا العالميين مثل مايكروسوفت، وميتا، وجوجل في دقة اللغة العربية. هذا التفاني في فهم الخصوصيات المحلية هو ما يجعل وكيل الذكاء الاصطناعي لدينا فعالاً جداً، وبصراحة، مميزاً للغاية.

فؤاد الجريس، الشريك المؤسس والرئيس التنفيذي لمقسم، يستعرض نظام شركته الآلي القائم على الذكاء الاصطناعي
فؤاد الجريس، الشريك المؤسس والرئيس التنفيذي لمقسم، يستعرض نظام شركته الآلي القائم على الذكاء الاصطناعي

دور جديد للعامل البشري

إن الخوف من أن يحل الذكاء الاصطناعي محل الوظائف البشرية أمر مفهوم، خاصة في مراكز الاتصال، حيث يكون معدل دوران الموظفين مرتفعاً بالفعل بسبب الإجهاد النفسي للعمل. ومع ذلك، كما رأينا مع شركات مثل كلارنا التي حاولت أتمتة خدمة العملاء بالكامل، فإن العنصر البشري يظل حيوياً للتعامل مع الحالات المعقدة وتقديم نوع الرعاية الحقيقية التي لا يستطيع الذكاء الاصطناعي تكرارها.

بدلاً من السعي للاستبدال الكامل، نرى الذكاء الاصطناعي كأداة تتعامل مع 30% إلى 50% من الحالات المتكررة. هذا يحرر الموظفين البشريين للتركيز على التفاعلات الأكثر استراتيجية وحساسية عاطفياً، مما يحول دورهم من دور تفاعلي إلى دور استباقي. يصبح الذكاء الاصطناعي هو المساعد، ويصبح الإنسان هو المدير الذي يوجه العملية ويشرف عليها.

هذا التحول هو جزء من تحول أكبر وحتمي. فكما غير الإنترنت طريقة عيشنا وعملنا، سيكون للذكاء الاصطناعي تأثير أكبر بكثير، مما يزيد الإنتاجية على نطاق عالمي. يجب أن نتبنى هذا التغيير، ليس خوفاً من فوات الفرصة (FOMO)، بل خوفاً من أن نصبح بلا جدوى (FOBO). من خلال الاستثمار في المواهب المحلية وتطوير حلولنا الخاصة، يمكن للعالم العربي أن يكون في طليعة هذه الثورة، وليس مجرد مستهلك للتكنولوجيا الأجنبية.

إن وجود خدمات سحابية مثل أمازون ويب سيرفيسز وغيرها قد ساعد الشركات الناشئة بشكل كبير على توزيع خدماتها حول العالم، مما يوفر أماناً أعلى.

مقسم ملتزمة بتقديم الأدوات التي ستوجه الشركات خلال هذا التحول الرقمي، مما يضمن قدرتها على الاستفادة من الإمكانات الكاملة للذكاء الاصطناعي مع الحفاظ على اللمسة البشرية التي تبني ثقة العملاء وولائهم.

شارك المحتوى |
close icon