الوردي للأولاد والأزرق للبنات .. كيف تغيرت معاني الألوان بين الجنسين مع تطور الثقافات؟

لطالما ارتبط اللون الوردي بالأنوثة والأزرق بالقوة والرجولة. هذه المفاهيم ظلت راسخة في ثقافتنا لسنوات طويلة لدرجة أننا لم نعد نتساءل عن مصدرها أو حقيقتها. لكن هل تتخيل أن تلك الألوان لم تكن كذلك وأنها تغيرت بمرور الوقت وتغير الثقافات. في هذا المقال سوف نأخذكم في رحلة حيث نتعرف على الوردي للأولاد والأزرق للبنات .. كيف تغيرت معاني الألوان بين الجنسين مع تطور الثقافات؟

الوردي للأولاد والأزرق للبنات

الوردي للأولاد والأزرق للبنات .. كيف تغيرت معاني الألوان بين الجنسين مع تطور الثقافات؟

حتى خمسينيات القرن الماضي، لم تكن هناك رمزية لونية للجنس تنطبق في كل مكان. وظهرت المعايير الاجتماعية التي تشير إلى أن اللون الوردي للبنات والأزرق للأولاد خلال القرن العشرين. وتشير كتب الأطفال، وإعلانات وبطاقات المواليد الجدد، وقوائم الهدايا، والمقالات الصحفية من أوائل القرن العشرين إلى أن اللون الوردي كان مرتبطًا بالمواليد الذكور كما هو الحال مع المواليد الإناث.

على سبيل المثال، ذكر عدد يونيو 1918 من مجلة “إنفانتس ديبارتمنت“، وهي مجلة تجارية لمصنعي ملابس الأطفال، ما يلي: “كان هناك تباين كبير في الآراء حول هذا الموضوع، لكن القاعدة المتعارف عليها هي استخدام اللون الوردي للأولاد والأزرق للبنات. والسبب هو أن اللون الوردي، أكثر حسمًا وقوة، لذا يناسب الأولاد أكثر. بينما الأزرق، وهو أكثر رقة وجمالًا، لذا فهو يناسب البنات أكثر”.

لكن هذه المحاولة لترسيخ هذه القاعدة لتجار التجزئة والمصنعين لم تصمد. حيث تم التواصل مع المتاجر الكبرى في مدن مختلفة وسؤالهم عن الألوان التي يستخدمونها للأولاد والبنات. وكان الأمر متباينًا للغاية. ولم يبدأ التقليد الحديث (الوردي للبنات والأزرق للأولاد) بالإنتشار إلا بعد الحرب العالمية الثانية، ومع ذلك، لم يستقر حتى ثمانينيات القرن الماضي.

أما عن سبب هيمنة معايير اللون والجنس الصارمة اليوم، فيعتقد فيليب كوهين، عالم الاجتماع بجامعة ماريلاند، أنها في جوهرها نتيجة حيلة تسويقية. حيث أشار إلى أن الأمر حدث في وقت كان فيه التسويق الجماهيري صفة شائعة لبيع المنتجات.

أما عن سبب هيمنة اقتران لون واحد بالجنس على الآخر، فالأمر يرجع إلى تأثير الموضة الفرنسية. حيث اقترن اللون الوردي في الثقافة الفرنسية التقليدية بالبنات والأزرق بالأولاد (بينما استخدمت الثقافة البلجيكية والألمانية العكس). ولأن فرنسا هي من أسست هذه الموضة في القرن العشرين، لذا فقد سادت تقاليدها.

كيف تغيرت معاني الألوان بين الجنسين

لم يكن اللونان الوردي والأزرق دالتين على جنس المولود، كان جميع الأطفال يرتدون أثوابًا بيضاء، مما أتاح سهولة تغيير الحفاضات، وكان من الممكن تبييضها بعد ارتدائها. كانت ملابس الأطفال حتى سن السادسة أو السابعة تُعامل على أنها للجنسين (مما سمح للوالدين باستخدام نفس الملابس لكل مولود). كان الأمر يتعلق بالاقتصاد المنزلي، ولم يتغير كثيرًا حتى مع ظهور ألوان الباستيل (بما في ذلك الوردي والأزرق، بالإضافة إلى ألوان أخرى مثل الأصفر) في منتصف القرن التاسع عشر. ويفترض أن ذلك يعود إلى انتشار الأصباغ التجارية على نطاق واسع.

في الواقع، لم تبدأ الأمور في التغير إلا في يونيو 1918، حيث كانت القاعدة المقبولة آنذاك هي الوردي للأولاد، والأزرق للبنات. لأن اللون الوردي، المرتبط بالأحمر، كان في ذلك الوقت، قاسيًا جدًا على البنات. لذلك، خُصصت للبنات لون مرتبط بالسماء وضوء النهار.

لكن عملية الترويج لفكرة ارتباط لون بجنس أو آخر كانت على الأرجح من بنات أفكار خبراء التسويق. في الأساس، أدرك مصنعو الملابس وتجار التجزئة إمكانية مضاعفة كمية الملابس المباعة عبر تلك الإستراتيجية. بحلول عام ١٩٢٧، سارعت المتاجر الكبرى إلى تبني هذا التوجه، لدرجة أن مجلة تايم نشرت مخططًا يوضح الألوان المناسبة للجنسين للبنات والأولاد.

هل ألوان الأطفال مهمة حقًا؟

الوردي للأولاد والأزرق للبنات .. كيف تغيرت معاني الألوان بين الجنسين مع تطور الثقافات؟

يمكن القول بأن الجنس عبارة عن مفهوم ثقافي. تجد معظم الثقافات طريقة أو أخرى للتمييز بين الذكور والإناث. ما يختلف بين الثقافات هو كيفية ذلك. في الصين مثلا، يتم ربط أو طي أقدام الفتيات للحصول على قدم ذهبية والزواج أو لتمييز الطبقة الغنية من الفقيرة. وفي موريتانيا، توجد مزارع لتسمين الإناث في بدافع الجمال. ومع ذلك، ربما يكون هناك نظام ألوان مختلف إلا أن الناس يجب أن يكونوا على دراية بأن هذه التصنيفات ليست جامدة وأن ألوان الأطفال ليست مهمة على الإطلاق.

أخيرا، تعرفنا في هذا المقال على الوردي للأولاد والأزرق للبنات .. كيف تغيرت معاني الألوان بين الجنسين مع تطور الثقافات. ويمكن القول بأن الوردي للأولاد والأزرق للبنات ما هو إلا دليل صارخ على أن الكثير من الأشياء التي نعتقدها طبيعية أو فطرية، لم تكن كذلك. بل ارتبطت بعوامل اجتماعية وثقافية سابقة. وعلى مر العصور الماضية، كانت الألوان مرتبطة بالطبقة والمكانة ثم تم استغلالها من أجل التسويق وتحقيق الأرباح. لذا لا يهم اللون، طالما أنه مناسب.

شارك المحتوى |
close icon