بين الطلب المتنامي ومستهدفات الاستدامة: الابتكار قاطرة للطاقة النظيفة

مقال ضيف بقلم: محمد الحجاج، الرئيس التنفيذي لإنجي الشرق الأوسط


يواجه قطاع الطاقة اليوم منعطفاً حاسماً، إذ يتطلب الأمر خفضاً جذرياً للانبعاثات الكربونية، مع الحفاظ على تلبية الطلب المتزايد على الكهرباء بأسعار معقولة. هذا التحدي يستدعي إعادة هندسة شاملة لمنظوماتنا الحالية، بدءاً من طرق توليد الطاقة وتخزينها، وصولاً إلى نقلها للمنازل والمنشآت. ولا سبيل إلى ذلك إلا بتبني تقنيات رائدة، تشمل محطات طاقة أكثر ذكاءً، وبطاريات فائقة الكفاءة، وشبكات كهربائية متطورة. ولكن، كيف نترجم هذا الطموح إلى واقع ملموس؟

في هذا المقال، نسلط الضوء على الدور المحوري الذي تضطلع به شركة إنجي في تطوير تقنيات مبتكرة تجعل الطاقة أنظف وأكثر كفاءة. نستعرض حلولاً متقدمة تعزز كفاءة استهلاك الوقود، وتقلل من هدر الطاقة، وتطيل أمد البنية التحتية، مساهمةً بذلك في رسم ملامح مستقبل أكثر استدامة.

تُعد تقنيات التشغيل والصيانة حجر الزاوية في الارتقاء بكفاءة محطات الطاقة وتقليل الفاقد. وتلتزم إنجي بدمج الحلول الرقمية المتطورة لرصد وتحسين أداء أصولها. فعلى سبيل المثال، تستخدم الشركة أنظمة مراقبة الحالة، كنظام “روبين”، التي تعتمد على التحليلات التنبؤية لتفادي الأعطال المحتملة في التوربينات الغازية، ما يقلل من فترات التوقف غير المبرمجة ويعزز الكفاءة التشغيلية. كما تتيح أنظمة التحكم الذاتي في التوربينات الغازية ذات الدورة المركبة مرونة تشغيلية أكبر، تحد من احتمالية الإغلاق المفاجئ وتقلل من خسائر الطاقة خلال مراحل تغيير الأحمال.

تُعد التوربينات الغازية ذات الدورة المركبة من الركائز الأساسية في قطاع توليد الطاقة، إذ تعتمد على الضبط الدقيق لدرجة الحرارة لتحقيق أعلى مستويات الكفاءة وتجنب الأعطال المكلفة. غير أن أنظمة التحكم التقليدية غالباً ما تجد صعوبة في التعامل مع تقلبات الأحمال الكهربائية، ما يؤدي إلى هدر الطاقة وزيادة احتمالية الأعطال.

لمعالجة هذه المعضلة، تتبنى إنجي تقنيات الذكاء الاصطناعي، وتحديداً الشبكات العصبية الاصطناعية، لإعادة صياغة آليات التحكم في التوربينات. تعمل هذه الأنظمة الذكية على مراقبة درجة حرارة العادم باستمرار وإجراء تعديلات آنية لضمان تشغيل أكثر كفاءة ودقة. وتعتمد الآلية على تطوير نموذج رياضي يحلل التغيرات الحرارية المحتملة، ثم يقوم النظام العصبي بمقارنة القيم الفعلية بالقيم المستهدفة، وإجراء التعديلات اللازمة تلقائياً.

مواضيع مشابهة

يعزز هذا النهج دقة التنبؤات الحرارية، ما يفضي إلى تشغيل أكثر سلاسة، وتقليل فترات التوقف، وتحقيق وفورات كبيرة في استهلاك الطاقة، لا سيما خلال الفترات الانتقالية التي تشهد تغيراً في الطلب على الطاقة. كما تساهم أنظمة مراقبة اهتزاز الدوارات في تحسين الأداء طويل الأمد لهذه الأصول الحيوية، وإطالة عمرها التشغيلي.

تتركز جهود البحث والابتكار في إنجي على إزالة الكربون من العمليات الحالية وتطوير تقنيات جديدة لتلبية الطلب المستقبلي على الطاقة بطرق مستدامة. وفي هذا السياق، تستكشف الشركة إمكانات الهيدروجين الأخضر والأمونيا كمصادر طاقة نظيفة. ويجري اختبار تقنيات الاحتراق المشترك لتمهيد الطريق أمام دمج الهيدروجين الأخضر في التوربينات الغازية ذات الدورة المركبة، بالإضافة إلى دراسة الأمونيا كناقل للهيدروجين.

بالتوازي مع ذلك، تعمل إنجي على تطوير حلول لاحتجاز الكربون، بما في ذلك مشروع تجريبي في بلجيكا لنشر أنظمة التقاط الكربون المتنقلة، ما يساعد على تقليل انبعاثات محطات الطاقة الحالية. وتواصل الشركة الاستثمار في مشاريع مستقبلية، كمشروع «هايفليكس باور» في فرنسا، الذي يهدف إلى تشغيل محطات الطاقة بالهيدروجين بنسبة 100%، ما يمثل خطوة حاسمة نحو منظومة طاقة خالية تماماً من الانبعاثات الكربونية.

مع تسارع وتيرة التحول الرقمي في قطاع الطاقة، بات الذكاء الاصطناعي، ولا سيما الذكاء الاصطناعي التوليدي، أداة فاعلة لتحسين كفاءة العمليات وتعزيز الأداء. وفي هذا الإطار، تطبق إنجي الذكاء الاصطناعي في أتمتة العمليات الصناعية، وتحسين كفاءة الأصول، وتعزيز توافر الطاقة.

فعلى سبيل المثال، تم إطلاق مشروع «ميتروسكوب» في تشيلي لتحسين كفاءة التوربينات الغازية ذات الدورة المركبة، وأظهرت البيانات أن حتى التحسينات الطفيفة في الأداء يمكن أن تحقق مكاسب كبيرة. وإضافة إلى ذلك، يجري تزويد جميع محطات إنجي بأدوات رقمية لمقارنة الأداء وتصحيحه، مدعومة بأدوات ذكاء اصطناعي كنظام «سامب الثنائي»، الذي يوفر تحليلات قائمة على البيانات لتحقيق تحسين مستمر في العمليات التشغيلية.

يمثل استخدام تقنيات التشغيل والصيانة المتقدمة، والابتكار المتواصل، وحلول الذكاء الاصطناعي حجر الزاوية في استراتيجية إنجي لتحقيق هدفها المتمثل في الحياد الكربوني بحلول عام 2045. إن مستقبل الطاقة يتطلب استثمارات ضخمة في التقنيات الحديثة، إلى جانب تعاون وثيق بين القطاعين العام والخاص لضمان تحول مستدام. وحده الالتزام المشترك والابتكار المتواصل يُمكّناننا من صياغة مستقبل أكثر استدامة، مستقبل تكون فيه الطاقة أنظف وأكثر كفاءة، لنفي بمسؤوليتنا تجاه كوكبنا والأجيال القادمة.

شارك المحتوى |
close icon