لماذا دفعت أمازون 0$ من ضرائب الشركات في السنوات الأخيرة رغم أرباحها الهائلة؟

مع قيمة سوقية تتجاوز ترليون دولار أمريكي، ومبيعات تتجاوز 75 مليار دولار أمريكي في الربع الأول من عام 2020 الجاري، لا شك بكون أمازون من أكبر الشركات الموجودة اليوم والتي جعلت من مؤسس الشركة جيف بيزوس أثرى رجل في العالم وبفارق كبير يتوسع طوال الوقت مؤخراً.

 

لكن على الرغم من كل ضخامة شركة أمازون، هناك أمر غريب للغاية: أمازون لم تدفع أية ضرائب فدرالية عن أرباحها في عامي 2017 و2018، وفي عام 2019 لم تدفع سوى 1% من أرباحها رغم ان معدل الضرائب المعتاد هو 21%.

خط بياني لأرباح امازون مقابل الضرائب التي دفعتها عبر السنوات
خط بياني لأرباح امازون مقابل الضرائب التي دفعتها عبر السنوات

هذا الأمر غير معتاد أبداً، وبشكل غريب فهو لا يتضمن أية حيل غير قانونية مثل وضع الأرباح في حسابات خارج الولايات المتحدة (كما تفعل العديد من الشركات التقنية)، بل أن كل شيء يسير وفق القانون تماماً. لكن وعلى الرغم من أن عدم دفع الضرائب فكرة مغرية لأي شركة أخرى، فمن الصعب أن ينجح أي أحد آخر بفعل ما تقوم به أمازون اليوم.

 

هنا سنتناول كيف تقوم أمازون بالتهرب القانوني من ضرائبها عبر عدة طرق مختلفة وبالاعتماد على مفهوم أساسي: الخصومات من الضرائب.

 

ما هي فكرة الخصومات من الضرائب؟

 

في بعض البلدان تحتسب الضرائب بشكل تلقائي، فيما أن بعض البلدان لا تفرض أية ضرائب أصلاً. لكن في الولايات المتحدة والعديد من البلدان الأخرى هناك العديد من القوانين والقواعد الخاصة بالضرائب، وكون فرض الضرائب على كامل العائدات أمراً غير منطقي، عادة ما يكون هناك خيارات للمصاريف المحسومة من الضرائب، بحيث يدفع الأفراد أو الشركات ضرائبهم على جزء من الأرباح وليس على كل ما يجنونه.

 

بعض حسومات الضرائب منطقية للغاية، حيث لا تدفع الشركات الضرائب على الأرباح التي تدفعها كأجور للموظفين مثلاً، كما أنها تعفى من الضرائب على الأموال المدفوعة للجمعيات الخيرية مثلاً. لكن بعض أنواع حسومات الضرائب مصممة لتشجيع تصرفات معينة، فالأفراد لا يدفعون الضرائب على الأموال التي تخزن في حسابات التقاعد الخاصة بهم كتشجيع على الادخار، كما أن الشركات لا تدفع الضرائب على الأموال المخصصة للتطوير والأبحاث للتشجيع على هذا الأمر.

 

نتيجة الحاجات المختلفة للشركات من جهة، والتغيرات السياسية التي تحدث عادة ما تتم التعديلات على قوانين الضرائب على شكل تغييرات في بعض النواحي دوناً عن غيرها ودون إعادة بناء القانون الضريبي بأكمله، وبالنتيجة من الممكن أن تنتج “ثغرات ضريبية” تسمح للبعض بالنجاة من دفع الضرائب بشكل قانوني تماماً، وبقراءة الطرق التي تتبعها شركة أمازون سيكون من الواضح أنها تستغل هذه الثغرات بالشكل الأمثل.

 

عموماً لتتمكن من النجاة بدفع 0$ من الضرائب، تعتمد شركة أمازون عدة أساليب خصومات مختلفة تتلخص بالتالي:

 

خصومات مصاريف الأبحاث والتحديثات

نمو مصاريف التطوير والبحث للشركات التقنية الكبرى عبر السنوات
نمو مصاريف التطوير والبحث للشركات التقنية الكبرى عبر السنوات

خلال العقود الماضية كانت الولايات المتحدة الأمريكية هي القطب الأوحد للعالم التقني دون شك، إذ أن الشركات الأمريكية تسيطر على المجال بشكل كبير جداً، وحتى مع المنافسة الشديدة التي تكبر بسرعة في الأسواق الأخرى مثل الصين، لا تزال الشركات الأمريكية في الصدارة كونها الأكثر اهتماماً بالتطوير والأبحاث اليوم.

 

هذه الحقيقة مهمة جداً للحكومة الأمريكية، حيث أن السوق الأمريكية سبق وأن خسرت العديد من الصناعات لصالح أسواق تقدم عمالة أرخص، وللحفاظ على التفوق الأمريكي في المجال التقني وبعض المجالات الأخرى، لا بد من تشجيع الشركات الأمريكية على التطوير والبحث العلمي عبر جعل أية مصاريف لهذه الغايات معفاة من الضرائب.

 

بالطبع من المعروف أن شركة أمازون شركة تقنية قبل كل شيء، فمع أنها من حيث المبدأ متجر عملاق، فكامل نموذج عملها قائم على التقنيات الحديثة واستغلالها بالشكل الأفضل، كما أن بعض مجالات الشركة مثل خدمات AWS أو Amazon Prime Video هي منتجات تقنية تماماً.

 

على العموم تصرف أمازون مليارات الدولارات على أغراض البحث والتطوير المختلفة، حيث أن كامل أرباح الربع الأول من عام 2020 خصصت لهذه الغايات، مما يعني أن شطراً كبيراً من ربح الشركة معفى من الضرائب بفضل حرص الحكومة الأمريكية على مساعدة الشركات التي تقوم بالأبحاث.

 

تغيير قانون الضرائب في عام 2017

 

مواضيع مشابهة

مع وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض مطلع عام 2017، كانت واحدة من أولويات الرئاسة الجديدة هي إجراء تغييرات في قانون الضرائب، ومع أن التغييرات كانت متعددة، فواحدة منها بالأخص كانت مفيدة جداً لأمازون، وهي التغييرات المتعلقة بالأدوات والآلات التي تشتريها الشركات.

 

عند شراء أية آلة أو أداة جديدة، تخسر هذه الآليات قيمتها تدريجياً بمرور الوقت، وفي السابق كانت الشركات تحصل على خصومات ضريبية تدريجية تبعاً لمعدل خسارة الآلات والأدوات لقيمتها. لكن مع التغييرات الجديدة ألغيت هذه الفكرة.

 

بدل إعفاءات ضريبية موزعة على وقت طويل، باتت الشركات تحصل على إعفاء ضريبي عن كامل ما تدفعه لقاء هذه الآلات التي تشتريها دفعة واحدة عند الشراء، وبالنتيجة حصلت العديد من الشركات على حسومات ضريبية أكثر من المعتاد في السنوات الأخيرة.

 

مع الوقت سيزول تأثير هذه الإعفاءات الضريبية بالطبع، لكن مع كون أمازون تدفع الكثير من المال على شراء آلات ومستودعات وأصول تتلف بالتقادم كل عام، فهي تحصل على إعفاءات ضريبية أكثر من سواها.

 

الدفع للكثير من الموظفين بأسهم في الشركة بدلاً من المال

تغير قيمة سهم امازون عبر السنوات الخمسة الأخيرة
تغير قيمة سهم امازون عبر السنوات الخمسة الأخيرة

بالنسبة للكثير من الشركات الكبرى، عادة ما يدفع للموظفين المهمين والكبار في الشركة عبر منحهم أسهماً وحصصاً في الشركة بدلاً من الدفع المالي التقليدي. حيث أن هذا النوع من الدفع يعني أن الموظفين الهامين لديهم حافز إضافي للنهوض بعمل الشركة والسير بها للأمام. وفي الواقع تقوم شركة أمازون بالأمر نفسه، لكن على نطاق أوسع بكثير بحيث أن نسبة كبيرة من موظفيها يحصلون على الأسهم بدلاً من المال كرواتب لهم.

 

الاختلاف هنا هو أن الشركات المعتادة تقوم بعملية إعادة شراء (تشتري أسهم نفسها من السوق) لتتمكن من منح الأسهم للنسبة الصغيرة من الموظفين الذين يتقاضون مالهم بهذه الطريقة، لكن أمازون تتبع أسلوباً مختلفاً، وبدلاً من شراء الأسهم الموجودة مسبقاً في السوق، تصدر الشركة أسهم جديدة تدفع بها رواتب الكثير من الموظفين ببساطة.

 

بهذه الطريقة تضرب أمازون عصفورين بحجر واحد، فهي تدفع رواتب الموظفين وهذه الرواتب معفاة من الضرائب بالكامل، لكن بدلاً من أن تدفع من أرباحها، تدفع من أسهم أنشأتها مجدداً وبشكل مجاني بالنسبة لها، وبالنتيجة تحتفظ بأرباحها دون أية ضرائب مترتبة عليها.

 

لماذا لا تستطيع الشركات الأخرى استنساخ أسلوب أمازون في دفع الضرائب؟

 

بالطبع لا توجد شركة تريد أن تدفع المزيد من الضرائب، وعندما يكون التهرب من هذه الضرائب ممكناً ستتهرب الشركات منها دون أدنى شك. لكن الفكرة هنا هي أن ما ينفع لأمازون لا ينفع لغيرها حقاً فالشركة مختلفة جداً عن بقية السوق، ومع أن عمرها قد تجاوز 25 عاماً، فهي لا تزال تعمل بفكر الشركات الناشئة.

 

حالياً لا تزال أمازون تستثمر الغالبية العظمى من أرباحها في المشاريع التوسعية وفي البحث وتطوير التقنيات الجديدة، مما يعني أنها تحصل على خصومات البحث والتطوير أكثر من سواها، لكن التميز الأساسي عن البقية هو أن أمازون على عكس الشركات الأخرى قادرة على إنشاء أسهم جديدة تقدمها للموظفين دون قلق.

 

المشكلة بفكرة إنشاء الأسهم الجديدة مشابهة لمشكلة صك المزيد من العملة: كل سهم أو عملة جديدة تنقص من قيمة البقية. أي أن إنشاء الأسهم الجديدة يعني أن مالكي الأسهم الأخرى يفقدون جزءاً من قيمة أسهمهم نتيجة الأمر، كون القيمة الكلية للأصول لم تتغير، لكن عدد أقسامها قد ازداد.

 

عندما تكون شركة ما تنمو بسرعة كبيرة، لا يكون إنشاء الأسهم الجديدة مشكلة حقاً، إذ أن أسعار الأسهم تنمو أسرع من التناقص الناتج عن إنشاء المزيد من الأسهم، وهنا لن يعترض أحد حقاً. لكن إن كانت الشركة تنمو بشكل بطيء أو أنها متلكئة النمو، سيكون إنشاء الأسهم الجديدة كارثياً لقيمة الأسهم الموجودة مسبقاً، وسيُرفَض هكذا إجراء من مجلس إدارة الشركة بالطبع.

 

خلال السنوات العشرة الأخيرة، من الصعب أن تجد شركة قد نمت بنفس معدل النمو الهائل لشركة أمازون، ومن نموها السريع يظهر سبب كونها قادرة على الهروب من الضرائب بإنشاء الأسهم الجديدة فيما أن شركات السوق الأخرى لن تتمكن من أمر كهذا عادة.

 

هل تتجنب أمازون كامل الضرائب المفروضة عليها؟

 

من حيث المبدأ لم تدفع أمازون ضريبة دخل الشركات (وهي ضريبة فدرالية في الولايات المتحدة الأمريكية) عن عامي 2017 و2018، لكن هذه ليست الضريبة الوحيدة الموجودة في الواقع، بل أن هناك العديد من الضرائب المختلفة على العديد من المستويات، ولعل أهمها ضريبة المبيعات المفروضة في العديد من الولايات الأمريكية على المنتجات المباعة.

 

من حيث المبدأ تدفع أمازون الكثير من ضرائب المبيعات على المنتجات الكثيرة التي تبيعها طوال الوقت، مما يعني أنها لا تهرب من الضرائب بشكل كامل. لكن بالنسبة لضريبة دخل الشركات التي تفرض على الأرباح، فأمازون تهرب بنجاح في السنوات الأخيرة.

 

بالطبع ومع الوقت من الممكن أن تتغير الأمور والقوانين بحيث تصبح أمازون عرضة للضريبة من جديد، حيث قامت الشركة بالحد من خيارات الأسهم للموظفين لديها في عام 2019، وبالنتيجة دفعت الضرائب للمرة الأولى منذ عام 2016، وفي الأعوام القادمة ستكون الشركة عرضة للضرائب مجدداً دون شك، لكن بنسب أقل من المعتاد بسبب مصاريف التطوير والبحث وشراء الأصول الجديدة.

شارك المحتوى |
close icon