كيف انتشرت تقنيات الرقابة الصينية على الإنترنت؟

لقد أحدثت الصين ثورة تكنولوجية هائلة، لكنها في الوقت ذاته طورت نظامًا فريدًا ومعقدًا للرقابة على الإنترنت، يعرف باسم “الدرع الذهبي” أو “جدار الحماية العظيم”. هذا النظام لم يقتصر تأثيره على الحدود الصينية فحسب، بل بدأت تقنياته تتسرب وتنتشر إلى دول أخرى حول العالم. فما هي الآليات التي اعتمدتها الصين لبناء هذا الجدار الرقمي؟ وكيف تمكنت هذه التقنيات المتقدمة من الانتشار خارج حدودها لتؤثر على حرية التعبير والوصول إلى المعلومات في أجزاء أخرى من العالم؟ في هذا المقال سوف نأخذكم في جولة ممتعة حيث نتعرف على كيف انتشرت تقنيات الرقابة الصينية على الإنترنت؟
تقنيات الرقابة الصينية
هناك عدد من التقنيات الشهيرة التي خرجت من الصين لتغزو العالم وتشمل ما يلي:
- الجدار الناري العظيم: أحد أعمدة النظام الرقابي في الصين. يتيح للحكومة حجب مواقع الإنترنت و كذلك مراقبة المحتوى بالإضافة إلى التحكم في الكلمات المفتاحية، وتصنيف الخدمات المسموح بها أو المحجوبة.
- نظام المراقبة الشامل: إلى جانب الحجب، تستخدم السلطات الصينية أنظمة مراقبة تراسل الإنترنت (تتبع حركة بيانات الشبكة)، بالإضافة إلى التصفية وتحليل البيانات. فضلا عن التجسس على الرسائل والمراقبة بالفيديو.
بشكل عام، هذه البنى التحتية ليست ثمرة اللحظة، بل تطورت عبر عقود من البحث والتطبيق، بدعم من الدولة والحجم الكبير لسوق الإنترنت الداخلي.
اقرأ أيضا: ما هي أخطر مجموعات القرصنة السيبرانية في العالم؟
تقنيات الرقابة الصينية في الخارج
خلال السنوات القليلة الماضية، أصبحت الصين مصدرا رئيسيا لتقنيات الرقابة الرقمية التي تستخدمها أنظمة استبدادية في شتى أنحاء العالم. لقد تطورت هذه التقنيات بشكل مذهل، من أدوات بسيطة لحجب المواقع إلى نظم متكاملة للتجسس على المواطنين، وكبح الحريات في الفضاء الرقمي.
على سبيل المثال، في الساعات الأولى من يوم 1 فبراير 2021، انقطع الإنترنت في ميانمار. فمع استيلاء المجلس العسكري على السلطة، قطع الوصول إلى تويتر وإنستجرام وفيسبوك في محاولة لقمع الاحتجاجات، قبل أن يقطع الإنترنت بشكل شبه كامل.
اقرأ أيضا: تسريب يكشف خبايا هواتف كوريا الشمالية .. أكثر هواتف تخزن لقطات الشاشة
وفي إثيوبيا، قطعت الحكومة الإنترنت في منطقة تيغراي لمدة عامين تقريبًا. من أجل منع التواصل مع العالم الخارجي أو حشد المعارضة.
أما باكستان، فتعتمد السلطات على تقنيات متطورة قادرة على اعتراض بيانات المستخدمين والاستماع إلى المكالمات الصوتية وحتى قراءة الرسائل. وقد واجه الوصول إلى الإنترنت في البلاد تباطؤًا كبيرًا، إلى جانب حظر الإنترنت عبر الهاتف الذكي. وفي حال الاحتجاجات وفترات الاضطرابات، تقوم الحكومة بحجب الوصول إلى مواقع مؤثرة مثل منصة إكس (تويتر سابقا).
كيف انتشرت تقنيات الرقابة الصينية على الإنترنت؟
الانتشار الدولي لتقنيات الرقابة الصينية يعتمد على عدد من العوامل والأساليب الممنهجة:
الشركات الخاصة المرتبطة بالدولة
هذه الشركات تعمل على تطوير منتجات متنوعة مثل أدوات لحظر الشبكات الافتراضية (VPN) ومراقبة حركة الإنترنت و كذلك التدخل في حركة الزيارات إلى المواقع. مثل شركة Geedge Networks التي أسسها فانغ بينشينغ، أحد مهندسي شبكة الجدار الناري الصيني.
التسويق الخارجي
الشركات الصينية التي تصنع هذه التقنيات بدأت تستهدف الأسواق الدولية بوضوح وتثير اهتمام الحكومات التي تبحث عن حلول للسيطرة على الإنترنت وقمع مواطنيها.
الأحداث والمعارض الدولية
يتم عرض التقنيات أثناء الأحداث التجارية الدولية في صورة أمن سيبراني أو استقرار إلكتروني بدلا من الرقابة الصريحة.
اقرأ أيضا: كيف تستطيع التخفي على الإنترنت وتكون مجهولاً أكثر؟
السرية والتعتيم
بعض العقود أو المبيعات لا تعلن رسميا، أو يموه الغرض من الأداة بأنها لأمن شبكات أو لمنع الجريمة الإلكترونية.
البنية التحتية للاتصالات
تلعب شركات عملاقة مثل هواوي وزد تي إي دورا محوريا. عبر تصديرها لمعدات الشبكات والكابلات البحرية وحتى أبراج الاتصالات. حيث تعمل على توفير بنية أساسية يمكن للحكومات المضيفة استخدامها لفرض الرقابة. هذه المعدات حتى لو لم تكن مصممة خصيصا للرقابة. إلا أنها تمنح الدول القدرة على فلترة المحتوى وتتبع المستخدمين.
في الختام، لم يعد جدار الحماية العظيم مجرد حاجز افتراضي يحد من الإنترنت داخل الصين فقط، بل تحول إلى نموذج قابل للتصدير، يستلهم منه آخرون ويطبقونه. إن انتشار تقنيات الرقابة الصينية، سواء من خلال البنية التحتية أو التدريب أو برمجيات المراقبة. يعكس تحولا عميقا في المشهد العالمي للإنترنت. هذا التوسع لا يطرح تحديات تقنية فحسب، بل يثير أسئلة جوهرية حول مستقبل حرية المعلومات وحقوق الإنسان في الفضاء الرقمي. إن فهم آليات هذا الانتشار هو الخطوة الأولى نحو بناء استراتيجيات دولية تهدف إلى حماية الإنترنت المفتوح كفضاء عالمي للتعبير والابتكار، في مواجهة نماذج السيطرة المتزايدة.