كيف يبدو واقع تقنية الويب 3 في منطقة الشرق الأوسط

مقال ضيف بقلم: ميركو ماكرون، مدير شركة ويب 3 ماركتنج تكنولوجي وشركة لايت بلو التقنية.


 

كانت الإنترنت عند إطلاقها عام 1969 مجرد شبكة تربط بين مجموعة من الحواسيب الموزعة في جميع أنحاء العالم، ومرّت منذ ذلك الوقت بالكثير من التغييرات على مستوى التقنية والبنية التحتية، حتى تطورت في الوقت الحالي إلى شبكة واسعة تتيح لمليارات الأجهزة الاتصال معاً في وقت واحد.

 

ومع مرور السنين، لم يعد استخدام الإنترنت مقتصراً على دورها كأداة لمشاركة المعلومات فحسب، بل تطورت لتلعب دوراً أساسياً في حياتنا اليومية. ونشهد حالياً فصلاً جديداً في عالم الإنترنت يُعرف بتقنية الويب 3.

 

استخدم غافين وود، أحد مؤسسي منصة إيثريوم، مصطلح الويب 3 للمرة الأولى في عام 2014 للدلالة إلى النسخة اللامركزية من الإنترنت، والتي تقوم على تقنية بلوك تشين. وتتمحور التقنية الجديدة حول عوامل الأمان وتمكين المستخدمين من التحكم في بياناتهم ومعلوماتهم الشخصية عبر الإنترنت. ويتحقق ذلك بالاعتماد على تقنية بلوك تشين، وهي قاعدة بيانات موزعة تسمح لأطراف متعددة بتخزين البيانات وتسجيلها ونقلها بأمان دون الحاجة إلى سلطة مركزية فردية؛ حيث يتم الانتقال من التركيز على العميل إلى التركيز على المجتمع، من خلال ابتكار تجارب شخصية وعلاقات أقوى وزيادة القيمة الدائمة للعميل.

 

وتمتاز تقنية الويب 3 بقدرتها على إحداث تغييرات كبيرة في العالم وتأثيرها واسع النطاق في مختلف القطاعات، بما في ذلك الرعاية الصحية والتمويل، وغيرها. وبفضل هذه التقنيات، شهد سوق الأعمال في الشرق الأوسط نمواً ملحوظاً، فقد تم تسجيل مستويات تقدم متفاوتة بين كل بلد، بينما سجلت المنطقة بشكلٍ عام تقدماً واضحاً.

 

فيما يلي نظرة أعمق على واقع تقنية الويب 3 في أهم الدول الكبرى في الشرق الأوسط:

 

الإمارات العربية المتحدة

 

تسعى دبي إلى أن تصبح مركزاً عالمياً لتقنية الويب 3 وتطمح إلى التوسّع نحو نماذج اقتصادية جديدة ومبتكرة. كما تجذب القوانين واللوائح التنظيمية المشجعة التي تفرضها الإمارة وبنيتها التحتية التي تعتمد على التقنيات المتقدمة أبرز شركات الويب 3، مثل منصات العملات الرقمية المشفرة وشركات البرمجة وتقنية بلوك تشين.

 

وتضم دبي حالياً أكثر من ألف شركة عاملة في مجال الويب 3 من جميع أنحاء العالم، والتي تساهم بنحو 500 مليون دولار أمريكي في اقتصاد الإمارات، مع توقعات بازدياد الأرقام بشكل كبير في المستقبل.

 

وتهدف دبي إلى أن تصبح واحدة من أكبر عشرة اقتصادات رائدة في مجال الميتافيرس في العالم، وتوفير أكثر من 40 ألف فرصة عمل في العالم الافتراضي بحلول عام 2030، والمساهمة بحوالي 4 مليارات دولار أمريكي في اقتصاد دول الإمارات خلال السنوات الخمس المقبلة. وعلى الصعيد العالمي، من المتوقع أن يصل حجم سوق الويب 3 إلى 81.5 مليار دولار أمريكي في عام 2030 بمعدل نمو سنوي مركب بنسبة 43.7٪ خلال الفترة القادمة.

 

وتسعى استراتيجية الميتافيرس في الإمارات إلى تعزيز الابتكار والموهبة، وتطوير تقنية الويب 3 لإنشاء نماذج عمل حكومية متطورة، إلى جانب توفير توجيهات عالمية لبناء منصات تضمن سلامة وأمن المستخدمين، وتقديم اللوائح التنظيمية والبنية التحتية اللازمة لدعم عملية التحول نحو التقنيات الحديثة، مثل الميتافيرس.

 

المملكة العربية السعودية

 

وضعت المملكة منذ عام 2016 خطة محددة للتحول الرقمي، تسمى الاستراتيجية الوطنية للتحول الرقمي، تركز على تنويع وتوسيع الاقتصاد بما يتماشى مع رؤية المملكة العربية السعودية 2030.

 

وكشفت دراسة حديثة أنه من المتوقع أن تساهم الميتافيرس بحوالي 7.6 مليار دولار أمريكي سنوياً في اقتصاد المملكة بحلول عام 2030، ما يشير إلى سعي السعودية لاعتماد الويب 3 في مجالات عديدة.

 

واحتفلت المملكة باليوم الوطني 2022 على الميتافيرس للمرة الأولى على الإطلاق، وتوجّهت نحو تطبيق تقنيات البلوك تشين في قطاعات مختلفة، مثل ترميز الأصول العقارية؛ وتحسين الرعاية الصحية. وفي الآونة الأخيرة، اعتمد البنك السعودي البريطاني تقنية البلوك تشين لتحسين عملية رقمنة خطابات الاعتماد.

 

ويهدف مشروع نيوم الضخم، الذي تبلغ تكلفته 500 مليار دولار أمريكي في السعودية، إلى أن يتضمن أول مدينة معرفية في العالم، حيث يسعى القائمون عليها على تطوير مدينة افتراضية في عالم الميتافيرس تمكّن المستخدمين من استكشاف المدينة الافتراضية على هيئة صورة رمزية أو من خلال استخدام تقنية الهولوجرام.

 

وسجلت الهيئة الملكية لمحافظة العلا خطواتها الأولى نحو عالم الميتافيرس، من خلال ابتكار وجود رقمي لمقبرة لحيان في مدينة الحجٍر التاريخية في محافظة العلا، والتي تعد أول موقع سعودي يدرج على لائحة اليونسكو للتراث العالمي.

 

قطر

 

أعلن مصرف قطر المركزي مؤخراً، بعد سنوات من حظر نشاط التعدين الرقمي والاستثمار في العملات الرقمية، عن سعيه إلى تنظيم إطار قانوني للأصول الرقمية وتقنية البلوك تشين.

 

وقامت قطر، ضمن تحضيراتها لاستضافة بطولة العالم لكرة القدم 2022، بتطوير بنيتها التحتية الرقمية والتقنية ما ساهم بتعزيز مكانتها كدولة متقدمة تقنياً وتمتلك مزايا تنافسية في مجالات التكنولوجيا الناشئة.

 

ويأتي ذلك بالتوازي مع إطلاق برنامج حكومي بقيمة 200 مليار دولار أمريكي للاستثمار في مجال التكنولوجيا، فضلاً عن استقطاب الاستثمارات الأجنبية والمواهب الدولية، بما في ذلك إطلاق مركز التميز الرقمي بالتعاون بين وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ومايكروسوفت، بهدف تحسين الإمكانات الرقمية وتعزيز الاستدامة في الدولة بحلول عام 2025.

 

وتعتمد قطر التقنيات الرقمية بوتيرة متسارعة، وتحقق تقدماً ملحوظاً في مجال المعلومات والاتصالات، ما يساعد على توفير فرص جديدة وتعزيز أهداف رؤية قطر الوطنية 2030.

 

سلطنة عُمان

 

شجعت حكومة سلطنة عُمان على اعتماد وتطوير تقنية البلوك تشين في الشرق الأوسط، وأطلقت مبادرات توعوية بأهمية تقنية الويب 3، ونظّمت عدة دورات وندوات حول الموضوع.

 

كما أجرى البنك المركزي العماني بحثاً حول السلبيات والإيجابيات المحتملة للتحقق من إمكانية السماح باستخدام العملات المشفرة في اقتصاد البلاد. وتشير دراسة حديثة إلى إمكانية مساهمة عالم الميتافيرس باقتصاد الدولة بحوالي 0.8 مليار دولار أمريكي سنوياً بحلول عام 2030.

 

البحرين

 

أنشأت البحرين أول إطار عمل تنظيمي داخلي في المنطقة يركز على اعتماد تطبيقات البلوك تشين بهدف تعزيز سلاسل التوريد الخاصة بها. كما أصدر مصرف البحرين المركزي اللوائح التنظيمية النهائية في فبراير 2022 استجابةً للطلب المتزايد على الأصول المشفرة، في حين تشير التقديرات إلى أن عالم الميتافيرس سيساهم بنحو 0.4 مليار دولار أمريكي في اقتصاد البحرين سنوياً بحلول عام 2030.

 

ومع استمرار انتشار تقنية الويب 3، فإن منطقة الشرق الأوسط مهيّأة بطريقة مثالية لريادة هذا المجال. ومن المهم، الآن أكثر من أي وقت مضى، أن يبدأ القادة والمنظمات في الاستعداد للاستفادة من الفرص الكثيرة التي ستوفرها تقنية الويب 3 في المستقبل على الصعيدين الاستراتيجي والتقني.

شارك المحتوى |
close icon