في عيد ميلادها العشرين، هل يجب أن تثق بالموسوعة الحرة – ويكيبيديا؟

بالنسبة لأي شخص بدأ باستخدام الحواسيب والإنترنت خلال العقدين الأخيرين فقد باتت فكرة كون الكثير من المعلومات المتنوعة متاحة للعامة وبشكل مجاني أمراً مفروغاً منه في الواقع، حيث أن نتائج البحث عن الكثير من الأشياء اليوم تأتي من موقع ويكيبيديا (الموسوعة الحرة) التي تقدم عشرات ملايين صفحات الويب بعشرات اللغات المختلفة، وتعد مصدراً أساسياً للمعرفة في عالم اليوم.

 

لكن وطوال الفترة السابقة لمطلع الألفية لم تكن المعرفة الرقمية متاحة أو “حرة” كما هو الحال اليوم، بل أن معظم الموسوعات كانت تتطلب اشتراكات شهرية أو على الأقل دفع المال لشراء الوصول إليها بشكل ما. وكل هذا تغير في عام 2001 عندما انطلقت ويكيبيديا لتنشر المعرفة رقمياً، ولو أن نشأتها ومسيرتها وحتى وضعها الحالي لا تزال محط الكثير من الجدل.

 

في هذا الموضوع سنلقي نظرة على هذه المنصة ومن أين نشأت وبعض الحقائق المثيرة للاهتمام عنها.

 

كيف تعمل ويكيبيديا أصلاً؟

 

في عيد ميلادها العشرين، هل يجب أن تثق بالموسوعة الحرة - ويكيبيديا؟

 

ويكيبيديا هي “موسوعة حرة”، أي أنها وعلى عكس الموسوعات التقليدية التي تمتلك فريقاً من الخبراء الذين يقومون بصنع محتواها توكل المهمة للجميع من حيث المبدأ، حيث يمكن للجميع المشاركة في إضافة وتعديل المحتوى على الموسوعة، وعلى الرغم من وجود طاقم تحرير مكون من المتطوعين في أقسام الموسوعة المختلفة، فهي لا تزال حرة إلى حد بعيد، وهذا ما يحمل معه مجموعة خاصة من الميزات والعيوب.

 

من الناحية الإيجابية، يعني اعتماد الموسوعة على عدد هائل من المتطوعين وكونها مفتوحة للتعديل أنها متنوعة وكبيرة أكثر بكثير من الموسوعات التقليدية، فهي تتضمن مواضيع عن مختلف المجالات والاهتمامات وليست محصورة بما يراه فريق المحررين مناسباً ومطلوباً، بل أن أي محتوىً عليه طلب كافٍ سيصبح متاحاً على الموسوعة في وقت ما.

 

بالمقابل هناك نواحٍ سلبية عديدة لاتباع مبدأ التعديل المتاح للجميع في الواقع، حيث أن حرية التعديل تعني أن الكثير من محتوى الموسوعة غير موثوق حقاً ومن الممكن أن يتضمن الكثير من الأخطاء والتحيزات المختلفة، كما أن البناء على الآراء الجمعية لمستخدمي المنصة يعني وجود تحيزات دائمة لصالح آراء الأغلبية حتى وإن لم تكن تلك الآراء مبنية على حقائق.

 

اقرأ أيضاً: باكستان تطالب جوجل وويكيبيديا بإزالة المحتوى “التدنيسي”

 

من أين تحصل ويكيبيديا على التمويل؟

 

مع اعتماد ويكيبيديا على محررين ومستخدمين متطوعين فقط، فهي تحد بشكل كبير من مصاريفها في الواقع. لكن هذا لا يعني أنها لا تحتاج للتمويل، فهي تحمل 55 مليون مقال مختلف اليوم ويزورها قرابة 1.7 مليار مستخدم مميز كل شهر، وللتعامل مع هذا الحجم الهائل من طلبات الإنترنت هناك حاجة لخوادم عديدة وذات قدرة عالية تكلف الكثير من المال لتشغيلها المستمر.

 

مواضيع مشابهة

مع كون ويكيبيديا مجانية تماماً للاستخدام ولا تعرض أية إعلانات ضمنها، فهي معتمدة بشكل كلي على التبرعات لتتمكن من الاستمرار، حيث تحصل على الكثير من التبرعات من المنظمات المختلفة المهتمة بنشر المعرفة من جهة، كما يقوم الكثير من المستخدمين بتقديم تبرعات صغيرة للمنصة كعربون امتنان لمحتواها المتاح مجاناً.

 

حالياً يتم تشغيل ويكيبيديا من قبل مؤسسة ويكيميديا، وهي مؤسسة أمريكية غير ربحية، أي أنها لا تقوم بجمع أية أموال ولا تمتلك مستثمرين أو ملاك أسهم، بل أن كامل الأموال التي تصل إلى المؤسسة تصرف على جهودها المختلفة والمتنوعة لإثراء المحتوى الرقمي العالمي.

 

اقرأ أيضاً: عودة ويكيبيديا إلى تركيا بعد عدّة سنوات من الحظر

 

هل يمكن الثقة بمحتوى ويكيبيديا حقاً؟

 

في عيد ميلادها العشرين، هل يجب أن تثق بالموسوعة الحرة - ويكيبيديا؟

 

من المعروف لدى الطلاب في مختلف المراحل الدراسية اليوم هو أن ويكيبيديا مصدر مرفوض للمعلومات التي توضع في حلقات البحث والتقارير المطلوبة أثناء الدراسة، وهذا الأمر منطقي للغاية في الواقع. حيث أنه وعلى الرغم من الفوائد الهائلة التي تقدمها ويكيبيديا باتباع أسلوب الاعتماد على المتطوعين، فهذا المبدأ معاب أصلاً بالكثير من التحيزات والمشاكل التي تطعن في مصداقية العديد من المواضيع المتاحة على الموسوعة.

 

تظهر مشاكل ويكيبيديا بشكلها الأسوأ ربما في المواضيع الجدلية والتي تتضمن تناقضاً في الرأي بين مختلف الفئات. حيث من المعتاد أن توجد إصدارات مختلفة من المعلومات (التي تناقض بعضها البعض في الكثير من الحالات) حسب اللغة والتخصيص الجغرافي للموسوعة مثلاً. كما أن الصفحات التي لا تمتلك شعبية كبيرة عادة ما تفتقد لأي مصداقية حتى كونها تكتب من قبل عدد صغير من المحررين الذين يحصلون بالنتيجة على حرية إضافية لإدخال آرائهم الشخصية في المحتوى بدلاً من الحقائق.

 

حالياً لا تزال الغالبية العظمى من مقالات ويكيبيديا دقيقة وموثوقة إلى حد بعيد من حيث المصداقية، لكن هذا الأمر لا يشمل كامل المحتوى، ولا يزال من المعتاد أن يكون هناك معلومات مضللة أو خاطئة بشكل متكرر على العديد من الصفحات على الموسوعة، ولو أن دقتها تزداد مع الوقت بتضمين سياسات مخصصة تحسن من موثوقية المعلومات المقدمة وإضافة المزيد من مراحل التأكيد على المحتوى قبل نشره في المواضيع الجدلية على الأقل.

 

بالطبع هناك ناحية إضافية مهمة هنا: هناك فروق كبيرة بين الإصدارات اللغوية المختلفة لموسوعة ويكيبيديا، حيث أن الإصدار الإنجليزي من الموسوعة يتضمن حوالي 6 ملايين مقال مختلف، فيما أن الإصدار العربي لا يحتوي سوى سدس هذا العدد ويعاني من مشاكل أكبر بشأن الدقة.

 

بشكل عام وحتى مع كل التحسينات التي يتم تطبيقها على ويكيبيديا، فهي لا تزال موسوعة مصنوعة من آراء ومعلومات الجميع، وبالتالي ستبقى قابلة لإساءة الاستخدام ونشر معلومات مضللة أو خاطئة سواء بشكل عرضي أو حتى بشكل مقصود كما يحدث في العديد من الحالات وبالأخص المتعلقة بالمواضيع السياسية الجدلية.

شارك المحتوى |
close icon