استهلاك مراكز البيانات للطاقة أزمة متنامية، والمعالجات الأعلى كفاءة قد تكون أحد حلولها

قبل عقدين من الزمن، كانت الغالبية العظمى من عمليات الحوسبة حول العالم تتم بشكل محلي، سواء على أجهزة المستخدمين الشخصية، أو في خوادم غالباً ما كانت توضع ضمن مقرات الشركات الكبرى المشغلة لها. لكن وبالانتقال إلى عالم اليوم، فقد باتت تلك المقاربة من الماضي، حيث انتقلت الخوادم إلى مراكز بيانات عادة ما تبدو كأبنية عملاقة على مساحات ممتدة تغطي حاجات شركات ومستخدمين متعددين في نفس الوقت. وفي عصر الحوسبة السحابية هذا، بات استهلاك مراكز البيانات للطاقة قضية ملحة تحتاج معالجتها.
اليوم، يتعامل كل مستخدم مع الخدمات السحابية مئات المرات بشكل يومي دون التفكير بالأمر حتى. فالفيديو، ومنشورات التواصل الاجتماعي، وحتى الموسيقى تأتي من مراكز البيانات، ويصبح الأمر أوضح في بيئات العمل التي عادة ما تستخدم العديد من المنصات السحابية لغايات متنوعة. ومع صعود الذكاء الاصطناعي في السنوات الأخيرة، بات استهلاك الطاقة أعلى، حيث تشير التقديرات إلى أن إجابة سؤال بسيط يوجّه لأي من منصات الذكاء الاصطناعي التوليدي الكبرى تستهلك طاقة أعلى من بحث Google شبيه بعشر مرات.
أزمة الطاقة لمراكز البيانات
تشير التقديرات الحالية إلى أن مراكز البيانات مسؤولة عما يتراوح بين 1% و2% من كامل استهلاك العالم من الطاقة الكهربائية. وبالنتيجة، تستهلك الخوادم والخدمات السحابية طاقة أكثر من دولة الإمارات العربية المتحدة. وفي حالة مراكز البيانات الكبرى، يمكن لمركز بيانات وحيد أن يستهلك طاقة تكفي لتزويد 80 ألف منزل بالطاقة، مما يوازي مدينة متوسطة الحجم في الواقع.
لا يعد استهلاك الطاقة المرتفع مشكلة مالية فحسب، بل يرتبط بمجموعة واسعة من التحديات المرافقة. حيث يعني استهلاك الطاقة المرتفع إنتاج حرارة مهدرة أكبر، وبالتالي الحاجة لتبريد أفضل وأقوى، وهو ما يعد تحدياً في المناطق الجافة والحارة، ويؤثر حتى على المناطق الرطبة كونه يستهلك كميات كبيرة من المياه العذبة. ويضاف إلى ما سبق مشكلة توفير الطاقة وإيصالها إلى مراكز البيانات. حيث تعمل شبكات الكهرباء في معظم البلدان قرب طاقتها الاستيعابية القصوى، وعادة ما تكون إضافة مستفيد كبير كفاية مثل مركز بيانات كبير مشكلة تحتاج لترقيات كبرى على الشبكة للتعامل معها.
في السنوات الأخيرة، بدأت عمالقة التقنية بالأخص بالبحث عن وسائل بديلة لتزويد مراكز بياناتها بالطاقة. حيث تعتمد بعضها على مصادر الطاقة المتجددة مثل مزارع طاقة الرياح والطاقة الشمسية، فيما تستخدم أخرى مزيجاً من الطاقة المتجددة وطاقة الشبكة في أوقات الاستهلاك المنخفض (مثل ساعات الليل). لكن ولتأمين استقلالية أكبر، سعت بعض الشركات لأفكار من خارج الصندوق مثل بناء مفاعلات نووية مخصصة لحاجاتها فقط، أو إعادة تشغيل محطات طاقة خارج الخدمة مثل مخطط مايكروسوفت لإعادة تشغيل محطة الطاقة النووية Three Mile Island التي اشتهرت بحادثة نووية هي الأكبر في تاريخ الولايات المتحدة.
لكن وبالتزامن مع البحث عن مصادر بديلة للطاقة ووسائل مبتكرة لتوفيرها لمراكز البيانات، هناك عدة زوايا أخرى يمكن النظر فيها للتعامل مع الأزمة المستقبلية المتوقعة. وبينما تعد فكرة تخفيض اعتمادنا على مراكز البيانات خارج الحسابات، نظراً لكون استخدامنا لها ينمو بشكل مضطرد ومستمر، فالحل البديل قد يكون تخفيض الطاقة المستهلكة مقابل العمليات التي يتم تنفيذها، ولحسن الحظ فقد كانت هذه الناحية جزءاً أساسياً من تطوير الأنظمة الحاسوبية عبر العقود.
هل يمكن للمعالجات الأفضل أن تخفض استهلاك الطاقة لمراكز البيانات؟
كما هو الحال في الحواسيب، عادة ما تكون المعالجات هي الجزء الأهم في رفوف الخوادم المكدسة في مراكز البيانات. فهي المكون الأهم من حيث تنفيذ المهام وإدارة المكونات الأخرى دون شك، وعادة ما تكون المستهلك الأكبر للطاقة، وبالأخص في مراكز البيانات. لذا عادة ما تكون المعالجات الأكثر كفاءة هي الخيار الأفضل لتخفيض فواتير الطاقة الكبيرة الخاصة بمراكز البيانات، وهنا برزت معالجات EPYC من AMD بشكل خاص بفضل وفورات الطاقة الكبيرة التي تقدمها في مختلف الاستخدامات.
بالطبع، عادة ما تكون المعالجات الأحدث أعلى كفاءة باستهلاك الطاقة من سابقاتها. حيث إن حجم مكونات الترانزستورات ضمن الشرائح الإلكترونية يتقلص باستمرار منذ بداية استخدام الترانزستورات في المعالجات مع نهاية الخمسينيات من القرن الماضي. وكلما تقلص حجم الترانزستورات باتت الطاقة المهدرة على تشغيلها أصغر. وفي معالجات AMD EPYC من الجيل الرابع، والمصممة وفق تقنية 5 نانومتر، تمكنت هذه الشرائح من تخفيض استهلاك الطاقة السنوية للمعالجة بنسب تصل حتى 29% (لدى تشغيل ألفي جهاز افتراضي على 11 خادم مزود بمعالجات AMD EPYC 9654)، بالإضافة للمساهمة بتخفيض التكاليف الأولية بنسب حتى 46%.
تستفيد المعالجات الأحدث من AMD من تقنيات مبتكرة عديدة تساعد معاً في جعلها رائدة في كفاءة استهلاك الطاقة. حيث تساعد تقنية AMD 3D V-Cache™ على تحسين كفاءة الطاقة 3 مرات، وهو ما يجعل معالجات EPYC الحالية الأكثر كفاءة من حيث استهلاك الطاقة بين المعالجات العاملة بمعمارية x86 (وفق AMD). ويظهر الأمر جلياً من شهادات العملاء، حيث حقق استخدام معالجات AMD Epyc وفورات طاقة حتى 50% مع الحفاظ على نفس مستوى المعالجة لشركة ATEME المتخصصة بضغط الفيديو وبثه، كما ساعدت معالجات AMD EPYC شركة Nokia المعروفة في مجال الاتصالات على الاقتراب من أهدافها لتخفيض استهلاكها للطاقة بنسبة 40%، وحتى في القطاع المصرفي، تظهر شهادات العملاء أن مصرف DBS العالمي قد خفض استهلاكه للطاقة بحوالي 50% بالاستفادة من معالجات AMD EPYC الأحدث.
أهداف الاستدامة
فيما أن حصة متزايدة من إنتاج الطاقة العالمي يأتي من مصادر متجددة اليوم، فالوقود الأحفوري لا يزال المصدر الأساسي للطاقة. وحتى مع كون مراكز البيانات تعتمد على مصادر الطاقة النظيفة أكثر من سواها، فتخفيض استهلاكها الإجمالي للطاقة، أو على الأقل إبطاء نموه المتسارع هي أولويات حالياً لضمان الاستدامة. لذا وفيما تسعى العديد من الشركات اليوم لتحقيق أهداف الاستدامة الخاصة بها عبر مشاريع الطاقة النظيفة، فمن المهم محاولة تخفيض أو تحجيم بصمة استهلاك الطاقة كذلك، وجزء كبير من هذه المقاربة هو اعتماد معالجات أحدث وأفضل كفاءة من حيث استهلاك الطاقة.