مايكروسوفت: جميع الموظفين سيصبحون رؤساء في المستقبل، لكن مرؤوسيهم سيكونون موظفي ذكاء اصطناعي

⬤ يتوقع تقرير من Microsoft بروز نموذج «الرئيس الوكيل» يدير فيه الموظفون وكلاء ذكاء اصطناعي مستقلين.
⬤ يشير التقرير إلى تحول جذري مقبل في العمل تقوده ضغوط الإنتاجية والتبني المتسارع لتقنيات الذكاء الاصطناعي.
⬤ رغم فوائد الأتمتة، يثير صعود الوكلاء مخاوف حقيقية لدى الخبراء بشأن فقدان الوظائف وضرورة إشراف بشري متوازن.
في رؤية جريئة تعيد رسم ملامح مستقبل العمل، تتوقع Microsoft بروز نمط جديد في بيئة الأعمال، يتحول معه كل موظف إلى ما يشبه المدير المشرف على وكلاء ذكاء اصطناعي مستقلين. وقد كشفت الشركة عن هذا التوجه في تقريرها السنوي «Work Trend Index،» وتوقعت فيه نشوء مفهوم «الرئيس الوكيل.»
تشير Microsoft إلى أننا على أعتاب واقع جديد، يتجاوز فيه الذكاء الاصطناعي حدود التحليل إلى حلول فعلية لمعضلات العمل اليومية. وبالرغم من إقرارها بأن التحول الكامل نحو بيئة تعتمد كلياً على الذكاء الاصطناعي قد يستغرق عقوداً، على غرار الثورة الصناعية أو عصر الإنترنت، فإن مؤشرات التحول بدأت فعلياً. إذ أظهر التقرير أن 82% من قادة الصناعة المشاركين يعتقدون أن الذكاء الاصطناعي يحدث ثورة في العمل حالياً، وهو ما يدفع المؤسسات إلى إعادة تموضع استراتيجي نحو ما تسميه Microsoft «الشركة الحدودية.»
من المتوقع أن تنتشر هذه الشركات بشكل واسع خلال السنوات الخمس المقبلة، حيث يتم بناء هياكلها التنظيمية حول مفهوم «الذكاء عند الطلب،» وتعتمد على وكلاء ذكاء اصطناعي مستقلين في تنفيذ المهام، من إعداد تقارير المبيعات إلى وضع التوقعات المالية، بهدف التسريع في النمو والتكيّف السريع وتحقيق القيمة بكفاءة أعلى.
في صميم هذا التحول يبرز دور «الرئيس الوكيل،» والذي يعرفه جاريد سباتارو، أحد مسؤولي Microsoft، بأنه «الشخص الذي يبني الوكلاء، ويفوضهم، ويديرهم لتعظيم تأثيره وتولي زمام مسيرته المهنية في عصر الذكاء الاصطناعي.» ويضيف: «من قاعة الاجتماعات إلى خطوط الإنتاج، سيحتاج كل موظف إلى التفكير بعقلية الرئيس التنفيذي لشركة ناشئة مدعومة بالوكلاء.»
ترى Microsoft أن هذا التحول سيمر بثلاث مراحل أساسية، أولها التبني الواسع لمساعدات الذكاء الاصطناعي على المستوى الفردي، ثم انضمام وكلاء الذكاء إلى الفرق كزملاء رقميين ينجزون مهام محددة. وأخيراً، مرحلة تحديد البشر للاتجاهات الاستراتيجية، بينما يتولى الوكلاء تنفيذ العمليات والإجراءات التنفيذية ذاتياً، مع تدخل بشري عند الحاجة فقط. ويشبه هذا التطور ما حدث في البرمجة، من المساعدة في كتابة الكود إلى تنفيذ المهام بالكامل بشكل مستقل. ومن الأمثلة العملية التي أوردها التقرير إدارة سلاسل الإمداد، حيث يتولى الوكيل إدارة العمليات من البداية للنهاية، بينما يركز الإنسان على التوجيه الاستراتيجي والعلاقات مع الموردين.
يُعزى هذا الدفع المتسارع نحو الذكاء الاصطناعي إلى الضغوط المستمرة لرفع الإنتاجية. فقد أشار 53% من القادة إلى ضرورة تحسين الإنتاجية، في حين أعرب 80% من العاملين حول العالم عن شعورهم بنقص في الوقت والطاقة، في ظل مقاطعات متكررة تحدث كل دقيقتين تقريباً. وهنا، يبرز الذكاء الاصطناعي كأداة محورية لسد الفجوة بين متطلبات الأعمال وقدرات البشر. ويؤكد التقرير أن «الذكاء» لم يعد حكراً على البشر، بل بات سلعة متاحة تتجاوز حدود العدد أو المهارات التقليدية.
لقد بدأ تبني هذه التقنية بالفعل، إذ أفاد 46% من القادة باستخدامهم لوكلاء الذكاء الاصطناعي لأتمتة مسارات العمل، خصوصاً في مجالات خدمة العملاء، والتسويق، وتطوير المنتجات. وتروج Microsoft لحلول مثل Copilot Studio، التي تعتمد عليها شركات كبرى مثل McKinsey في مهام مثل جدولة الاجتماعات مع العملاء. وعلى نفس المنوال، شهدت منصة LinkedIn ارتفاعاً هائلاً بمعدل 142 ضعفاً في عدد المستخدمين الذين أضافوا مهارات مثل Copilot وChatGPT إلى ملفاتهم المهنية.
اللافت أن القادة أكثر اندماجاً في هذا التحول من الموظفين. إذ يُظهر التقرير أن 67% من القادة على دراية بوكلاء الذكاء، مقابل 40% فقط من الموظفين. كما يعتقد 79% من القادة أن الذكاء الاصطناعي سيسرع من تطورهم المهني، مقارنة مع 67% من الموظفين. ورغم هذا التفاوت، تؤكد Microsoft أن التحول سيشمل كافة المستويات والوظائف.
لكن، وبالرغم من تركيز التقرير على تمكين الإبداع البشري وخلق قيمة جديدة، فإن صعود وكلاء الذكاء الاصطناعي أثار جدلاً واسعاً بشأن الأمان الوظيفي. فبينما تصف Microsoft هذا التقدم بأنه «تحرر من المهام الرتيبة،» ترى تقارير خارجية أن المشهد أكثر تعقيداً. فقدرت مؤسسة International Monetary Fund أن 60% من الوظائف في الاقتصادات المتقدمة مهددة بتأثير الذكاء الاصطناعي، مع احتمال تضرر نصفها بشكل سلبي. بينما حذر تقرير صادر عن International AI Safety المدعوم من الحكومة البريطانية من أن «كثيرين قد يفقدون وظائفهم الحالية.»
يتشارك هذه المخاوف كبار رواد التقنية أيضاً، مثل بيل غيتس، الشريك المؤسس في Microsoft، الذي صرح بأن الذكاء الاصطناعي قد يستبدل البشر في «معظم المهام،» وكذلك مارك بينيوف، الرئيس التنفيذي لشركة Salesforce، الذي عبر عن شكوكه حيال الحاجة المستقبلية إلى مطوري البرمجيات.
علاوة على ذلك، يكشف التقرير أن 33% من القادة يفكرون جدياً في تقليص عدد الموظفين بسبب الذكاء الاصطناعي. في المقابل، يحذر الدكتور أندرو روجويسكي من معهد Surrey Institute for People-Centred AI من الانجرار وراء إغراء استخدام الذكاء الاصطناعي لإحلال البشر بدافع الكفاءة، مشدداً على خطورة فقدان المعرفة البشرية المتراكمة والقدرة على بناء العلاقات.
تؤكد Microsoft بدورها ضرورة إيجاد التوازن المناسب، والنظر في الحالات التي تتطلب إشرافاً بشرياً، أو تلك التي يفضل فيها العملاء التعامل مع بشر، أو التي تستدعي مساءلة بشرية واضحة، لا سيما عند اتخاذ قرارات مصيرية.
مع ذلك، لا تقتصر النظرة المستقبلية على الاستبدال. فالغالبية العظمى من القادة (83%) يؤمنون بأن الذكاء الاصطناعي سيمنح الموظفين القدرة على التصدي لمهام أكثر تعقيداً، كما يخطط 78% منهم لتوظيف كوادر في أدوار جديدة متخصصة بالذكاء الاصطناعي. وتُظهر بيانات LinkedIn أن مختبرات الذكاء الاصطناعي الرائدة تقوم بالتوظيف بمعدل ضعف نظيراتها من شركات التقنية التقليدية، ومستقطبة المواهب منها.
في المحصلة، يرسم تقرير Microsoft مشهداً لتغيرات عميقة في سوق العمل، يصبح فيه وكلاء الذكاء الاصطناعي أكثر من مجرد أدوات، بل عناصر محورية ضمن القوى العاملة، يديرهم «رؤساء وكلاء» من البشر. وبينما يبدو الوعد بزيادة الإنتاجية واضحاً، يبقى الأثر الفعلي على الوظائف والنسيج الاقتصادي والاجتماعي سؤالاً مفتوحاً في عصر الذكاء الاصطناعي.