الحوسبة التكيفية: المحرك الأساسي لتمكين أنظمة مساعدة السائق المتقدمة وتجربة المقصورة الفاخرة

مقال ضيف بقلم واين ليونز، مدير التسويق الأول في قسم المركبات بشركة AMD


تشهد صناعة السيارات تغيرات هائلة، لا سيما مع تنامي الطلب على المركبات الكهربائية واستخدام أنظمة مساعدة السائق المتقدمة (ADAS) المبتكرة، وأنظمة السلامة، وأنظمة المعلومات والترفيه والتي يعتمد الكثير منها على الذكاء الاصطناعي. وبينما تُدخل شركات صناعة السيارات التكنولوجيا والعناصر القائمة على البيانات في السيارات وأنظمتها، فإنها تضع في اعتبارها تحديات مثل المساحة وكفاءة الطاقة والتكلفة. علاوةً على ذلك، مع استمرار تزايد عدد أجهزة الاستشعار والمعالجات المستخدمة في المركبات، سيزداد الطلب على التقنيات المدمجة ذات البنى التكيفية والمتعددة الاستخدامات. وفي الوقت نفسه، يجب أن تكون هذه الحلول قادرة على تشغيل أنظمة عالية الموثوقية، ومعالجة كميات كبيرة من البيانات وربطها بالشبكة خلال زمن استجابة منخفض، إلى جانب قدرتها على العمل بطاقة منخفضة، ودعم خوارزميات متزايدة التعقيد، وتلبية معايير تكنولوجيا السيارات المتطورة ومتطلبات السلامة الوظيفية.

من منظور شامل، يمكن تقسيم الإمكانيات الحالية للسيارات المتصلة بشبكة الإنترنت إلى ثلاث فئات فرعية، تشمل القيادة الآلية، وأنظمة مساعدة السائق المتقدمة، وتجربة السائق داخل المركبة (IVX). كما توجد ستة مستويات للقيادة الذاتية، تتراوح من المستوى صفر (L0)؛ الذي يصف سيارة يتم التحكم فيها يدوياً بالكامل، وصولاً إلى المستوى الخامس (L5)؛ وهي سيارة آلية بالكامل لا تتطلب أي تدخل من السائق. يكمن الفارق الجوهري بين المستويات في الانتقال من المستوى الثاني (L2)؛ حيث توجد ميزات القيادة الآلية ولكن المسؤولية النهائية عن التحكم في السيارة لا تزال على عاتق السائق، إلى المستوى الثالث (L3)؛ حيث يصبح نظام القيادة الآلية مسؤولاً عن أي أخطاء عند تفعيله.

فيما يخص ميزات القيادة الآلية من المستوى الثالث L3 وما فوق، فإن انتشارها محصور حالياً في الاستخدامات التجارية، ولا يمكن للمستهلكين شراؤها. وتُعد سيارات الأجرة والشاحنات ذاتية القيادة أمثلة على مركبات المستوى الرابع L4 والخامس L5، حيث تتطلب هذه المركبات أنظمة حوسبة فائقة الموثوقية والأداء العالي والكفاءة في استهلاك الطاقة. وبينما يحظى سوق سيارات الأجرة ذاتية القيادة باهتمام إعلامي كبير، يوفر سوق الشاحنات ذاتية القيادة ميزةً مهمةً للغاية، إذ يُلبي الطلب المتزايد على نقل البضائع في ظل نقص عدد سائقي الشاحنات. ويجري بالفعل إعداد تشريعات للسماح بقيادة المركبات من المستوى الرابع L4عبر مناطق “حزام الشمس” الذي يربط الساحلين الشرقي والغربي للولايات المتحدة.

نظراً للاختلاف بين المستوى الثاني L2 والثالث L3، يشهد المستوى الثاني تطوراتٍ كبيرة، حيث تُوصف الميزات الأكثر تقدماً الآن بـL2++   أوL2.99 . وتتضمن هذه المركبات ميزات قيادة آلية تتحكم في التوجيه والتسارع والكبح، ولكنها تتطلب إشرافاً وتدخلاً مستمرين من السائق. علاوةً على ذلك، ستتضمن أنظمة مساعدة السائق المتقدمة (ADAS)، وهو مصطلح عام يصف الميزات التي تدعم السائق من خلال تنبيهه في مواقف معينة، بما في ذلك أجهزة الاستشعار المتقدمة، ويتسع هذا المصطلح ليشمل أيضاً الميزات التي تساعد السائق باستخدام التحكم المؤقت بالنظام. ومن أمثلة ميزات أنظمة مساعدة السائق المتقدمة ذات مستويات الأتمتة المختلفة: نظام كشف النقطة العمياء (BSD)، ومثبت السرعة التكيفي (ACC)، ونظام المساعدة في الحفاظ على المسار (LKA). ونشهد اليوم زيادة في عدد المركبات المزودة بأنظمة مساعدة السائق المتقدمة لتعزيز سلامة السائقين ومستخدمي الطريق الآخرين، حيث تستخدم هذه المركبات المعلومات التي تجمعها أجهزة الاستشعار الموجودة في المركبة لتنبيه السائقين إلى المخاطر المحتملة أو اكتشاف تشتت انتباههم/إرهاقهم باستخدام أنظمة مراقبة السائق وأنظمة المراقبة داخل المقصورة، كما توفر المساعدة في حالات مثل ركن المركبة والازدحام المروري، وقد تتجاوز تحكم السائق لتجنب الاصطدامات. ويتم تمكين ذلك من خلال تقنيات تشمل أنظمة الكاميرات المحسّنة، وأجهزة استشعار التصوير القائمة على الرادار، وأجهزة استشعار” ليدار” (للكشف وتحديد المدى باستخدام الضوء).

تُشكّل تجربة السائق داخل المركبة (IVX) المجموعة الفرعية الثالثة من السيارات المتصلة بشبكة الإنترنت، حيث يُسهم اتصال المركبة المتزايد في تطوير أنظمة المعلومات والترفيه. ولا يقتصر دور هذه الأنظمة على حماية السائق من الإرهاق ومساعدته في تحفيز ذهنه فحسب، بل يمتد ليشمل توفير سلس للمعلومات الحيوية كالملاحة وحالة المركبة وتحديثات حركة المرور، مما يساهم في تحسين تجربة القيادة وزيادة الأمان. وتعتبر السيارات الكهربائية نقطة تحول محورية في تجربة المقصورة، حيث يزداد الطلب على قمرة قيادة رقمية أكثر تطوراً يمكنها الحفاظ على إنتاجية السائق أو ترفيهه أثناء شحن السيارة. وأخيراً، يتجاوزمفهوم IVX مجرد تجربة السائق، حيث نشهد الآن طلباً متزايداً لتوسيع نطاق هذه التجربة لتشمل جميع الركاب ضمن السيارة. إذ بات يتوقع السائقون والركاب على حدٍ سواء تجربة أنظمة ترفيه أكثر تطوراً – سواء كان ذلك من خلال بث الفيديو أو الألعاب عبر الإنترنت أو توفير صوت منفصل لكل مقعد – الأمر الذي يستدعي زيادة متطلبات الحوسبة والاتصال داخل السيارة.

إجراءات السلامة المُدمجة

يُعدّ ضمان سلامة السائق والركاب من أهم الجوانب التي تركز عليها أنظمة القيادة الآلية وأنظمة مساعدة السائق المتقدمة. ويتوقع جميع المعنيين – بمن فيهم المصنعين والموردين ومستخدمي المركبات على حدٍ سواء – أعلى مستويات السلامة والموثوقية في المركبات المُجهزة بأنظمة ذاتية القيادة. ومع ذلك، فإن عملية تجميع البيانات ومعالجتها وتوزيعها (DAPD)، وهي عملية جمع بيانات المستشعرات ونقلها ومعالجتها في المركبة لتوجيه الإجراءات اللازمة، تُثير تحديات تقنية مُعقدة تتعلق بتوفر النطاق الترددي، وكفاءة الطاقة، وأداء المستشعرات، وموثوقيتها. ومن الأمثلة على ذلك نظام الكبح التلقائي في حالات الطوارئ، حيث تكتشف المستشعرات خطراً وشيكاً، وتُشارك هذه المعلومات مع وحدة التحكم الحاسوبية في المركبة، والتي بدورها توجه النظام لاتخاذ المناورة المُناسبة، مثل إيقاف المركبة في هذه الحالة.

ولضمان موثوقية أنظمة السيارات وسلامتها يجب أن تكون اختبارات وشهادات السلامة في غاية الدقة للتأكد من عدم تعطل هذه الأنظمة، وقدرتها على توفير اتصال مستمر والوصول إلى مصادر طاقة كافية في جميع الأوقات، بالإضافة إلى حمايتها من التداخل الناتج عن التهديدات السيبرانية الضارة وغير الضارة. ولتحقيق ذلك، يجب أن تتوافق التقنيات المستخدمة داخل أنظمة السيارات مع معايير الجودة مثل (AEC-Q100) ومواصفات السلامة المحددة وفق المعيار (ISO26262). ويحدد AEC-Q100))، وهو معيار خاص بقطاع السيارات، متطلبات اختبار المنتجات الإلكترونية لتطبيقات السيارات. أما (ISO26262) فهو معيار دولي للسلامة الوظيفية للمركبات على الطرق، تحدده المنظمة الدولية للمعايير (ISO). كما توجد أربعة مستويات من شهادات ISO262262 ASIL، حيث تمثل ASIL A أدنى درجة وASIL D أعلى درجة من مخاطر السيارات، ويجب أن تستوفي التقنيات والأنظمة المدمجة في السيارة جميع هذه المعايير.

مواضيع مشابهة

بالتزامن مع تطور معايير القيادة الآلية وزيادة تعقيدها، جعلت المتطلبات التقنية ومتطلبات السلامة من الحوسبة التكيفية عنصراً حاسماً لضمان موثوقية ميزات القيادة الآلية. وتتميز أجهزة الحوسبة التكيفية – القائمة على المنطق القابل للبرمجة (PL) – بمرونة فائقة؛ إذ يمكن إعادة برمجتها مراراً وتكراراً بعد استخدامها لتلبية وظائف متنوعة والتكيف مع الوسط الذي تعمل ضمنه. كما أن قدراتها على المعالجة المتوازية تمكنها من إنجاز مهام متعددة ومعالجة تدفقات البيانات بسرعة وكفاءة. لهذا السبب، تعتبر الأجهزة المعتمدة على المنطق القابل للبرمجة خياراً مثالياً للمركبات ذات الميزات الآلية، والتي تتطلب رقائق سيليكون تكيفية تتميز بزمن استجابة منخفض، واستهلاك طاقة قليل، وموثوقية عالية لتجميع ومعالجة وتوزيع بيانات المستشعرات. ومن الجدير بالذكر أن أجهزة النظام على شريحة (SoCs) التكيفية المعتمدة على المنطق القابل للبرمجة، مثل تلك المتوفرة في سلسلة AMDالمخصصة للمركبات (XA)، معتمدة دولياً وفقاً لمعايير اختبار AEC-Q100 وتدعم قدرات تصل إلى مستوى ASIL-D ضمن معيار ISO26262.

الأتمتة وأنظمة الذكاء الاصطناعي

في ظل التوجه المتسارع نحو القيادة الآلية بالكامل والقيادة الذاتية المتقدمة، يزداد اعتماد المركبات على المستشعرات المتطورة ووحدات تحكم المجال المدعومة بتقنيات تعلم الآلة. علاوةً على ذلك، يعد الأداء العالي للمعالجة بالذكاء الاصطناعي والبنى الحوسبية غير المتجانسة عناصر أساسية لاتخاذ قرارات دقيقة وفورية موجهة بالذكاء الاصطناعي، إلى جانب تعزيز استقلالية المركبة. وستلعب الأجهزة المعتمدة على المنطق القابل للبرمجة مثل مصفوفات البوابات المنطقية القابلة للبرمجة (FPGAs) دوراً محورياً في تمكين الحوسبة التكيفية وتوفير ذكاء داخلي ضمن المركبة.

ومن المتوقع أن يرتفع الطلب بشكل كبير على أنظمة المعالجة والرسوميات والحوسبة التكيفية عالية الأداء لدعم قدرات الجيل القادم من أنظمة القيادة الآلية، وأنظمة مساعدة السائق المتقدمة (ADAS) وتجربة السائق داخل المركبة (IVX). أما فيالمستقبل القريب، فتشير التوقعات إلى أن احتياجات الأداء لأنظمة المعلومات والترفيه وحدها ستتضاعف كل سنتين إلى ثلاث سنوات، وذلك عبر وحدات المعالجة المركزية ووحدات معالجة الرسومات وشاشات العرض. ولمواكبة هذا النمو المتسارع في متطلبات الأداء، سيكون من الضروري توسيع قدرة المعالجة المتاحة لاستيعاب أعباء العمل الإضافية التي تضاف للمركبة تدريجياً خلال دورة حياتها.

تدفع القيود المتعلقة بالحجم والتكلفة واستهلاك الطاقة، إلى جانب التوجه العالمي نحو المركبات المُعرّفة بالبرمجيات، شركات تصنيع المركبات إلى اعتماد بنى حوسبة أكثر مركزية. الهدف من هذا التحول هو دمج وظائف القيادة الآلية، وأنظمة مساعدة السائق المتقدمة، وتجربة السائق داخل المركبة ضمن بنية واحدة أكثر كفاءة وأقل تعقيداً. فبدلاً من الاعتماد على العديد من الأنظمة الذكية الفرعية، تتجه الشركات المصنعة للمعدات الأصلية في قطاع المركبات إلى تصميمات قائمة على تقسيم المعالجة الذكية بين وحدات التحكم الطرفية ووحدات تحكم المجال. على سبيل المثال، عوضاً عن تخصيص وحدة تحكم دقيقة (MCU) لكل مستشعر، يمكن دمج الحوسبة في وحدة تحكم نطاقية أو مجالية واحدة، وبالتالي توحيد عمليات معالجة المستشعرات، وذلك يساهم في تقليل تعقيد الأسلاك والتوصيلات، وخفض تكلفة النظام واستهلاك الطاقة.

ومع انخفاض تكلفة هذه التقنيات بمرور الوقت، ستصبح ميزات السلامة المتقدمة والميزات المدعومة بالذكاء الاصطناعي، مثل نظام المساعدة على الركن والقيادة الآلية على الطرق السريعة، متاحة تدريجياً للسوق العامة، لتصبح في نهاية المطاف ميزات قياسية مطلوبة في جميع المركبات المدعومة بالذكاء الاصطناعي مستقبلاً.

وعندما يتحقق هذا التحول، ستواجه شركات تصنيع السيارات ضغوطات أكبر على صعيدي الحوسبة والطاقة، مما يتطلب أجهزة عالية الأداء تمتاز بزمن استجابة منخفض للغاية وموفرة للطاقة تلبي معايير السلامة الوظيفية المتقدمة. وبدلاً من استخدام حلول حوسبة متعددة، والتي قد تفاقم مشكلات المساحة واستهلاك الطاقة، يمكن للبنى الحوسبية غير المتجانسة أن توفر حلاً متكاملاً عبر شريحة واحدة لمعالجة جميع مراحل نظام القيادة الآلي، والتي تشمل الاستشعار والإدراك والتخطيط والتنفيذ. وهنا تبرز أهمية أجهزة النظام على شريحة (SoCs) التكيفية. على سبيل المثال، تتميز سلسلة AMD Versal™ AI Edge من الجيل الثاني بمحركات ذكاء اصطناعي من الجيل التالي، مما يوفر قوة معالجة بالذكاء الاصطناعي ونطاق ترددي للذاكرة مناسبة لمعالجة الاستدلال والإدراك. يتم إدخال بيانات أجهزة الاستشعار، مثل الكاميرا والرادار والليدار عبر وحدات إدخال/إخراج قابلة للبرمجة، ويتم إرسال البيانات مباشرة إلى المنطق القابل للبرمجة لإجراء معالجة متخصصة بزمن استجابة منخفض لكل نوع من أنواع المستشعرات. وهذا يتيح تطبيق خوارزميات دمج بيانات المستشعرات المبتكرة قبل معالجة الإدراك/ الاستدلال داخل محركات الذكاء الاصطناعي، كما تتميز هذه التقنية بمرونة عالية لدعم المتطلبات المختلفة لأنظمة القيادة الآلية من المستويين +L2/L2، وصولاً إلى أنظمة المستويين الثالث L3 والرابع L4، حيث تعد قدرة التكرار أمراً بالغ الأهمية.

وبعيداً عن دور الحوسبة التكيفية، وفي ظل تسارع الابتكار في مجال السيارات، تبدو الآفاق واعدة جداً أمام التقنيات المدمجة. فسواء تعلق الأمر بوحدات المعالجة المركزية، أو وحدات معالجة الرسومات، أو مصفوفات البوابات المنطقية القابلة للبرمجة، أو أجهزة النظام على شريحة (SoCs) التكيفية، أو وحدات المعالجة المسرّعة المدمجة، فإن مصممي السيارات وشركات تصنيعها بحاجة إلى بنى حوسبية توفر أنظمة فرعية مخصصة للحوسبة القياسية، والرسوميات، والذكاء الاصطناعي، والمنطق القابل للبرمجة، لتمكين تصميم أنظمة مرنة للمركبة وقابلة للتحديث باستمرار طيلة دورة حياتها.

ولضمان بقاء سلامة السائق والركاب في مقدمة الأولويات بالتزامن مع إدخال المزيد من ميزات القيادة الآلية والذاتية، لا بد أن تتعاون شركات تصنيع السيارات مع مزودي التكنولوجيا ممن يمتلكون شهادات واعتمادات وخبرات السلامة الوظيفية اللازمة. وستلعب الحوسبة غير المتجانسة، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، دوراً محورياً في مستقبل صناعة السيارات، مما يُمكّن المصممين من تحقيق متطلبات الموثوقية وزمن الاستجابة وكفاءة الطاقة من خلال حل مدمج ومتكامل عبر شريحة واحدة.

شارك المحتوى |
close icon