للمرة الأولى، علماء يطورون أشباه موصلات مصنوعة من الجرافين
⬤ نجح بعض العلماء في تحقيق طفرة تكنولوجية كبيرة عندما طوروا للمرة الأولى أشباه موصلات مصنوعة من مادة الجرافين.
⬤ يتفوق الجرافين على السيليكون بأنه أكثر قوة ومرونة وأفضل كفاءة في استهلاك الطاقة، فهو مثالي لتطوير أجهزة حاسوبية أسرع.
⬤ يتوقع المؤلف الرئيسي للبحث الجديد أن يصبح الجرافين النموذج المستخدم في تصنيع أشباه الموصلات خلال الأعوام الخمسين القادمة.
توصل بعض العلماء إلى إنجاز كبير في مجال الإلكترونيات، فقد طوروا للمرة الأولى أشباه موصلات وظيفية مصنوعة من الجرافين، وهي مادة معروفة بقوتها، ومرونتها، وخفّة وزنها، ومقاومتها العالية. وتأتي هذه الطفرة الكبيرة في وقت يبذل فيه العلماء حول العالم جهوداً ضخمة لتطوير أشباه الموصلات المصنوعة من الجرافين، ويرجع ذلك إلى سرعتها الفائقة وكفاءتها في استخدام الطاقة مقارنةً بالسيليكون.
نشرت الدراسة العلمية في دورية Nature العلمية بتاريخ 3 يناير عام 2024، وهي تشير إلى وجود شبه موصل وظيفي مصنوع من الجرافين وملائم للاستخدام في الإلكترونيات النانوية.
يقول والتر دي هير، المؤلف الرئيسي في الدراسة من معهد جورجيا للتكنولوجيا في الولايات المتحدة الأمريكية: «لا ندري أينَ سيقودنا هذا الاكتشاف، لكننا ندرك أننا نمهد السبيل أمام حدوث تحول نموذجي كبير في مجال الإلكترونيات. أرى أنّ الجرافين هو الخطوة التالية، وثمة فرصة كبيرة حتى يصبح النموذج المستخدم خلال الأعوام الخمسين القادمة».
تعتمد الأجهزة الحاسوبية التقليدية، مثل الرقاقة الموجودة في الهاتف الذكي أو الكومبيوتر المحمول، على الكهرباء المتدفقة عبر مفاتيح السيليكون لتمثيل الآحاد والأصفار، التي تعرف أيضاً بالبتات. وفي هذا الصدد تقول سارة هاي، وهي أستاذة المواد في معهد الجرافين الوطني بجامعة مانشستر: «أشباه الموصلات مكونات ضرورية لعمل جميع الأجهزة الحاسوبية؛ إذ تتيح لنا إنشاء مفاتيح صغيرة قابلة للتشغيل والإيقاف للسماح بتدفق التيار الكهربائي. ومن المعلوم أنّ تدفق الكهرباء عبر الدارات يُمكِّن الأجهزة الحاسوبية من إجراء العمليات الحسابية».
مع ذلك يبدو أنّ أشباه الموصلات المصنوعة من السيليكون قد بلغت أقصى حدودها وقدراتها، لذلك اندفع العلماء للعثور على مادة جديدة. وتعلق هاي على ذلك بقولها: «تتطلب الإلكترونيات المصنوعة من السيليكون طاقة كبيرة، لا سيما الطاقة اللازمة لتبريد الإلكترونيات عندما تنبعث الطاقة على شكل حرارة».
الجرافين مادة مذهلة
يتميز الجرافين بقوته المذهلة، فهو أقوى من الفولاذ بنحو 200 مرة، ويعرف الجرافين كذلك بمرونته مما يجعله مادة مثالية للاستخدام في الأجهزة الكهربائية والبطاريات، أو الأنسجة أو البلاستيك.
مع ذلك ينصب اهتمام العلماء على استخدام الجرافين كأشباه موصلات أسرع أداءً وأكثر كفاءةً في استهلاك الطاقة، وتقول هاي بهذا الشأن: «لا شك أنّ إمكانية الاحتفاظ بسرعة الجرافين الفائقة، وكفاءة توصيل الإلكترونات دون الحاجة إلى كميات وفيرة من الطاقة تتيح لنا تطوير إلكترونيات تتعدى حدود وإمكانيات السيليكون، بحيث تصبح الأجهزة الحاسوبية أسرع بكثير وأقل استخداماً للطاقة».
لم يستخدم الجرافين سابقاً في مجال الإلكترونيات نظراً لبعض عيوبه، ومنها مشكلة فجوة النطاق؛ إذ تعرف فجوة النطاق بأنها خاصية إلكترونية مهمة تتيح التشغيل والإيقاف في أشباه الموصلات، ولم يكن الجرافين يتمتع بهذه الخاصية المميزة حتى الآن.
توصل فريق دي هير إلى طريقة فعالة لوضع الجرافين على رقاقات كربيد السيليكون الخاصة، واستغرق الأمر 10 أعوام من الأبحاث المتواصلة؛ إذ عكف الفريق على تحسين المواد وتغيير الخصائص الكيميائية للجرافين حتى وصلوا أخيراً إلى التركيبة المثالية. وأخيراً أصبح الجرافين يعمل كمادة شبه موصلة عالية الجودة مثل السيليكون.
يقول دي هير: «لا تقتصر فوائد الجرافين على مساعدتنا في تقليل حجم الإلكترونيات وتسريع أدائها مع تبديد حرارة أقل، بل يتيح لنا كذلك استغلال خصائص الإلكترونات التي تعذرت الاستفادة منها عند استخدام السيليكون، وهذا الأمر بحد ذاته يشكل نقلة نوعية».
يرى الخبراء إمكانيات هائلة وواعدة لهذا الابتكار، لا سيما في مجال صناعة الإلكترونيات؛ إذ يتيح لنا تطوير أشباه موصلات جديدة من الجرافين تكون أقوى بكثير من نظيراتها المصنوعة من السيليكون، لكنها أقلّ منها استهلاكاً للطاقة.
تقول هاي: «تتسم الإلكترونيات المصنوعة من الجرافين بأنها أكثر كفاءة؛ فهي تستلزم طاقة أقل لتشغيلها وإيقافها، وتسمح بتدفق الإلكترونات دون إيجاد حرارة زائدة كبيرة تحتاج إلى استخدام المراوح للتبريد. ويعني ذلك أنّ الهواتف الذكية، مثلاً، ستظل تعمل لأسابيع دون أن تنفذ بطارياتها، فهذا الأمر يقلل استهلاك الطاقة في جوانب حياتنا كافة، ويخفض النفقات، ويقلل التلوث الناجم عن استخدام الوقود الأحفوري».