الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر: لماذا البيئة المفتوحة مهمة

عند النظر إلى مجال الذكاء الاصطناعي اليوم، والعدد الكبير من روبوتات المحادثة والنماذج اللغوية الكبيرة، سرعان ما يتضح أن هناك تيارين أساسيين في المجال. فهناك النماذج المغلقة والمخصصة لشركات بعينها مثل OpenAI، ومايكروسوفت، وجوجل. وبالمقابل، هناك عدد متزايد من نماذج الذكاء الاصطناعي التي تصف نفسها بأنها مفتوحة المصدر وتأتي من مصادر متنوعة، مثل عائلة نماذج LLaMA من شركة ميتا، وMistral AI من الشركة الناشئة التي تحمل نفس الاسم، وDeepSeek الذي ظهر بقوة مؤخراً في المجال، ونماذج «فالكون» التي يطورها معهد الابتكار التكنولوجي الذي يتخذ من مدينة أبوظبي الإماراتية مقراً له.

مفهوم «الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر» يعني أن نموذج الذكاء الاصطناعي يسمح بعرض وتصفح كلاً من الأكواد المصدرية، وأوزان النموذج، وبيانات التدريب، والتوثيق، وسواها من البيانات بحرية، مع إتاحة التعديل والاستخدام وحتى إعادة التوزيع وفق تراخيص معتمدة مثل ترخيص MITللبرمجيات مفتوحة المصدر أو Apache أو سواها. يختلف هذا التوجه بشكل جذري عن بعض الأسماء البارزة في المجال اليوم مثل ChatGPTوGemini، فهذه النماذج تجارية وتعتمد على تراخيص مغلقة ومخصصة لحماية الملكية الفكرية للشركة المطورة لها بالدرجة الأولى.

لماذا تطوير الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر؟

أفضل نماذج الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر أداءً وفق منصة Hugging Face، ويلاحظ الحضور القوي لنماذج Qwen من شركة Alibaba الصينية
أفضل نماذج الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر أداءً وفق منصة Hugging Face، ويلاحظ الحضور القوي لنماذج Qwen من شركة Alibaba الصينية

بالطبع يمكن أن يبدو تطوير الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر عملية أقل جدوى من الناحية المالية، كما أن العديد من الشركات تقلق من كون تقديم برمجياتها المتقدمة لفضاء البرمجيات مفتوحة المصدر سيهدد تقدمها وحصتها السوقية. لكن وبالطبع، هناك ناحية أخرى مهمة للشركات، وهي زيادة نفوذها في الفضاءات التقنية عبر نشر برمجياتها على نطاق واسع. ويمكن في هذه الحالة ملاحظة أثر تبني توجه الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر بشكل واضح، فمن نواة لينوكس مفتوحة المصدر التي تعد الأوسع انتشاراً في بيئة الخوادم اليوم، إلى نظام أندرويد الذي بات يهيمن على الشطر الأكبر من قطاع الهواتف، وصولاً إلى معظم متصفحات الإنترنت الرائدة القائمة على مشاريع مفتوحة المصدر مثل Chromium.

وفي الواقع، تشير إحصائيات إلى أن الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر يحقق انتشاراً واسعاً منذ الآن. ففي دراسة أخيرة من شركة IBM، قال %80 من قادة القرار في مجال تكنولوجيا المعلومات إنّ ربع المنصات والأدوات القائمة على الذكاء الاصطناعي في شركاتهم على الأقل تعتمد على الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر. كما أكدت دراسة من OpenUK أن أكثر من 20 ألف شركة قامت بتبني الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر في العام المنصرم فقط. وقد أظهرت دراسات عدة أنه وعلى المدى الطويل، تثبت الحلول مفتوحة المصدر كفاءة أعلى من نظيرتها المغلقة.

بالإضافة لما سبق، يؤدي تبني توجه نماذج الذكاء الاصطناعي مفتوحة المصدر إلى «دمقرطة الذكاء الاصطناعي»، بمعنى تمكين وصول هذه التقنية إلى الجميع وعلى أوسع نطاق ممكن بدلاً من كونها محصورة ضمن شركات محددة، أو مجتمعات بحثية محصورة. حيث يعزز هذا التوجه الابتكار التعاوني، إذ يمكن للمجتمعات العالمية أن تسهم في تطوير نماذج جديدة أو تحسين سلوك النماذج القائمة، ما يسرّع التقدم التقني ويقلل التكرار في العمل. فتجعل هذه العوامل من التوجه للنماذج مفتوحة المصدر محركاً أساسياً لتحولات حقيقية في الذكاء الاصطناعي.

يدفع ذلك التوجه الابتكار بوتيرة أسرع، إذ يمكن للمطورين والباحثين تبادل الأفكار وتطويرها مباشرة دون انتظار تحديثات داخلية، كما يمكنهم المساهمة بشكل مباشر في المشروع أو تطوير إصدارات مخصصة منه بحرية أكبر، وهو ما ينتج بالطبع المزيد من الابتكارات في المجال. وعندما تُتاح نماذج ضخمة مثل LlaMA، أو DeepSeek، أو Gemma لتصبح مفتوحة المصدر، فإنها تعزّز المنافسة وتسمح للشركات الأصغر بتكييف هذه النماذج حسب احتياجاتها. ويظهر الأمر بشكل أفضل في المؤسسات ذات الطابع البحثي مثل الجامعات ومراكز الأبحاث، والتي يمكنها تعديل هذه النماذج وإعادة تدريبها باستخدام بياناتها الخاصة، مما يؤدي إلى نتائج أكثر مواءمة للسياق المحلي والعلمي.

AMD تدعم الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر

مواضيع مشابهة
إطلاق منصة AMD ROCm 7 لدعم تطوير الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر
إطلاق منصة AMD ROCm 7 لدعم تطوير الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر

من بين الداعمين البارزين لتوجه الذكاء الاصطناعي المفتوح، تتميّز AMD بمقاربة مميزة تقدم بيئة متكاملة تجمع العتاد والبرمجيات ضمن معايير مفتوحة. حيث إن منصة AMD ROCm™ هي حجر الأساس لهذه البيئة؛ فهي بيئة برمجية مفتوحة المصدر تدعم تسريع أداء نماذج الذكاء الاصطناعي على وحدات معالجة الرسوميات، مع توصيف شامل لتشغيل PyTorch، وTensorFlow، وONNX، وغيرها من الأطر المفتوحة. كما بات الإصدار الأحدث، وهو ROCm 7 يوفر دعماً فورياً لنماذج مفتوحة المصدر جديدة مثل LLaMA 4، وGemma 3، وDeepSeek، ويتيح بنية تحتية متكاملة لتوزيع الاستدلال عبر أدوات مثل SGLang، وvLLM، وllm‑d. وبهذه الطريقة، يستطيع المطورون نشر نماذج الذكاء الاصطناعي مفتوحة المصدر بحرية ومرونة عالية على أنظمة AMD، مستفيدين من أقصى أداء لكل واط قادر على المنافسة مع الحلول المغلقة.

وفي وقت أبكر من عام 2025، كانت شركة AMD قد أطلقت كذلك مشروعها الذي يحمل اسم GAIA، وهو تطبيق يستفيد من القوة الكبيرة المتاحة في معالجات AMD Ryzen AI الأحدث لتشغيل نماذج ذكاء اصطناعي مفتوحة المصدر، وبالأخص النماذج اللغوية الكبيرة، بشكل محلي بالاعتماد على عتاد AMD. حيث إن مختلف الشرائح التي تنتجها الشركة، بما يشمل معالجات EPYC ومسرعات Instinct مصممة خصيصاً لدعم تطبيقات الذكاء الاصطناعي الأكثر تقدماً. وقد أتاحت الشركة كذلك «سحابة المطورين» كخدمة تستخدم بنية ROCm 7 وتتيح للمطورين ساعات استخدام مجانية لتجربة النماذج مفتوحة المصدر بالتعاون مع كبار شركات الذكاء الاصطناعي مثل ميتا، ومايكروسوفت، وOpenAI.

كما تتميز مقاربة الذكاء الاصطناعي من AMD بكونها تقدم حزمة متكاملة للمطورين، بداية من العتاد القوي، مروراً ببيئات التطوير المخصصة، وحتى النماذج التأسيسية والبرمجيات التي تدعم مطوري الذكاء الاصطناعي وتتيح لهم الخوض بثقة في المجال.

التحديات والضوابط: اتجاهات الأمان والتنظيم في بيئة المصدر المفتوح

رغم الفوائد العديدة لها، تواجه البيئات مفتوحة المصدر تحديات جدية تتعلق بالأمان، والتنظير، وإساءة الاستخدام المحتملة للنماذج، وبالأخص عند تقديم هذه النماذج دون رقابة صارمة. حيث تم التحذير مراراً من خطورة استخدام النماذج مفتوحة المصدر في تطوير أنظمة تنتج محتوى التزييف العميق، أو احتمال استخدامها لاستهداف أنظمة الأمان الحيوية في حال لم تكن تتمتع بالضوابط ومعايير الأمان الكافية. لذلك، تنصح وكالات مثل CISA بتبني سياسات أمنية ضمن المجتمعات التي تتبنى النماذج مفتوحة المصدر، تشمل فحص الأمان المستمر، مراجعة البيانات، وتطبيق ضوابط صارمة حول الوصول إلى النماذج الحساسة. وهذا يتطلب تعاوناً دولياً وإشرافاً مؤسساتياً وليس مجرد نشر بلا ضوابط.

من الناحية الأخرى، تعاني المشاريع المستقلة مفتوحة المصدر من ضعف التمويل في العديد من الحالات. حيث يقوم معظم مطوري البرمجيات مفتوحة المصدر بعملهم دون مقابل، مما يهدد العديد من المشاريع بهجرها في حال لم تتمتع بمجتمعات كبيرة كفاية، أو رعاة من كبار الشركات للحفاظ على الحد الأدنى من الصيانة والتطوير المستمر. وبشكل عام، يحتاج مجال التطوير مفتوح المصدر إلى تحقيق توازن بين الشفافية من جهة، والمسؤولية التنظيمية من جهة أخرى، وذلك من خلال ضوابط الترخيص، وأدوات التحقق، وأنظمة المراجعة الأوليّة للبنى المفتوحة.

في جميع الأحول، تشكل البيئة لمفتوحة المصدر للذكاء الاصطناعي نقلة نوعية في كيفية تطوير واستخدام الذكاء الاصطناعي، فهي تضيف الشفافية، وتشجع التعاون العالمي، وتخفض التكلفة، وتعزز الأمان الرقمي. فيما يبقى التحدي الأكبر في تنظيم هذا الانفتاح بحكمة لضمان الاستخدام الأخلاقي والمرتبط بالمجتمعات. وبفضل جهودها الحثيثة في المجال، تؤدّي AMD دوراً مهماً في استمرارية نمو وازدهار مجتمع الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر والانتقال نحو مستقبل رقمي شامل ومستدام.

شارك المحتوى |
close icon