هل اخترق علماء صينيون تشفير الإنترنت بحواسيب كمومية حقاً؟

⬤ تداولت المنصات الكثير من العناوين المضللة لخبر اختراق علماء صينيين لتشفير RSA شديد الأهمية للإنترنت.
⬤ يعد معيار RSA أساس تشفير الإنترنت اليوم، ويعني اختراقه فقد الأمان بما في ذلك الصيرفة الإلكترونية.
⬤ العنوان مضلل، حيث أن الإنجاز الصيني لن يسمح باختراق الإنترنت أو فك تشفيرها على الرغم من أهميته.
تداولت العديد من الصحف وحسابات التواصل الاجتماعي، بما يشمل منصات كبرى وعالمية، خبراً صادماً في اليومين الأخيرين، وهو أن فريقاً من العلماء الصينيين تمكن من اختراق تشفير RSA المعروف بكونه العمود الفقري لأمان الويب حالياً، وذلك عبر حاسوب كمومي فائق الأداء.
في حال صح الخبر المنتشر، فهذا يعني أن الإنترنت ستفقد أمانها، وسيصبح بإمكان المتلصصين معرفة ما تشاهده عبر فيس بوك، أو كلمة المرور التي تستخدمها لحسابك المصرفي عبر الإنترنت أو غيرها من المعلومات الحساسة والتي يمكن أن تدمر حياة الشخص. لحسن الحظ، فالعناوين مضللة بشدة، وليس هناك ما تقلق حياله بهذا الخصوص في الوقت الحالي على الأقل.
في الواقع، الخبر صحيح جزئياً فقط، حيث تمكن فريق صيني، قاده وانج تشاو في جامعة شانغهاي الصينية، من فك تشفير مفتاح RSA مكون من 22 بت، وذلك بالاعتماد على تقنية جديدة للحوسبة الكمومية التي تستخدم D-Wave. ويشكل هذا الإنجاز طفرة مهمة للغاية كونه يتفوق على الإنجاز السابق الذي فك مفتاحاً مكوناً من 19 بت.
فيما أن عناوين الأخبار المنشورة عن الموضوع ركزت على أن العلماء الصينيين قد اخترقوا تشفير الإنترنت تماماً، وما ترافق مع ذلك من حالة ذعر لدى الكثيرين الذين باتوا قلقين على استخدامهم للشبكة العنكبوتية، فالواقع أقل تأثيراً من العناوين بكثير.
الجزء المغفل من معظم الأخبار ربما هو أن مفاتيح RSA المستخدمة عادة ليست بطول 22 بت، بل أنها ليست قريبة حتى من تلك القيمة. حيث إن الويب اليوم يستخدم مفاتيح RSA يبدأ طولها من 2048 بت، وتصل بعضها لأضعاف هذا الرقم. وللمقارنة من المهم معرفة أن مفتاحاً بطول 2048 بت ليس أعقد 100 مرة فقط من واحد بطول 22 بت، بل أنه أعقد بمقدار 2^2036 مرة، وهو رقم أكبر من عدد الذرات الموجودة في الكون أصلاً.
لا شك بكون ما أنجزه الفريق الصيني مهم للغاية، فهو تقدم ملحوظ ومهم في مجال الحوسبة الكمومية. لكن هذا التقدم ليس قريباً حتى من فك تشفير مفاتيح RSA في الواقع، وذلك بالإضافة لكون فك المفاتيح وحده غير كافٍ حقاً، بل يتطلب التجسس على استخدام الإنترنت وتقويض أمانه أموراً أعقد من ذلك.
بالطبع، لا يخفى على علماء التشفير ومتخصصي الأمن السيبراني كون الحوسبة الكمومية يمكن أن تمثل تهديداً حقيقياً للعديد من أنواع التشفير المستخدمة اليوم. لذا تعمل العديد من الشركات على مفهوم «التشفير ما بعد الكمومي»، كما أن جزءاً كبيراً من الإنترنت اليوم يعتمد على تشفير AES-256، والذي يعد منيعاً كمومياً ومقاوماً للتهديدات الكمومية في المدى المنظور (ولو أنه لم يثبت كونه منيعاً بالمطلق تجاه التقنيات التي قد تظهر مستقبلاً).