رفض ملايين الدولارات ليظل مجانياً.. قصة برنامج VLC المذهلة الذي تستخدمه كل يوم!

في عالم تهيمن عليه الشركات العملاقة التي تسعى لتحقيق الأرباح من كل خدمة، يبرز برنامج VLC media player كقصة استثنائية تشبه الأساطير. فهذا التطبيق البسيط، الذي لا يخلو منه أي جهاز كمبيوتر أو هاتف ذكي، يمكنه تشغيل أي ملف وسائط متعددة دون عناء، لكن ما لا يعرفه الكثيرون هو أن مجانية هذا البرنامج لم تكن صدفة. بل كانت قرارا واعيا اتخذه مجموعة من الطلاب الفرنسيين الذين رفضوا عروضا بملايين الدولارات لبيع مشروعهم، وفضّلوا أن يظل هذا البرنامج الأسطوري ملكا للجميع. هذه المقدمة ليست مجرد قصة تقنية، بل هي حكاية عن فلسفة الإيمان بحرية البرمجيات، وكيف يمكن للإبداع أن يرفض الإغراءات ليخدم البشرية.
قصة برنامج VLC
عندما تفكر في البرامج التي يستخدمها الجميع بدون استثناء، ستقول على الفور مايكروسوفت أوفيس ومتصفح كروم. وإذا كنت مصمم جرافيك، ستفكر في أدوبي فوتوشوب. أما إذا كنت بحاجة لمشاهدة مسلسل أو فيديو أو ربما فيلم مفضل لديك، حينها ستختار على الفور VLC الذي يوفر دقة عالية وسهولة في الاستخدام. لكن ما قصة برنامج VLC؟
جان بابتيست كيمبف هو رئيس شركة VideoLAN والمطور الرئيسي لبرنامج تشغيل الوسائط مفتوح المصدر VLC. في كتابه “خلف الكود”، يناقش كيمبف كيف بدأ مسيرته في VLC وسبب نجاحه الكبير ويشرح أهمية إبقائه مجانيًا.
اقرأ أيضا: كيف تكتشف تحديث ويندوز المزيف وتتجنبه
مشروع VideoLAN
بدأت القصة عندما تأسس مشروع VideoLAN في المدرسة المركزية للفنون في باريس على يد طلاب كانوا يديرون شبكة الحاسوب في حرمهم الجامعي. كانت جميع أجهزة الحاسوب تدار بواسطة فريق من الطلاب، وليس من قبل الجامعة، وهو أمر كان غير مألوف. كان كيمبف رئيس فريق الشبكة، وهكذا دخل إلى VLC على الرغم من أنه لم يكن لديه أي خبرة في البرمجة.
الخطأ الذي تحول لابتكار
إحدى الحيل العبقرية، والتي جاءت عن طريق الخطأ، هي أن VLC يقوم بتشغيل كل ما تريده دون الحاجة إلى تثبيت أي حزم ترميز. قبل ذلك، كان الأمر مربكا للغاية. كان عليك تثبيت بعض الحزم مرتين، وهو أمر مرهق للغاية. كان نصفها يحتوي على برامج ضارة، وحتى تصحيح أخطائها لم يكن يضمن عملها. لذا، كنت تثبت حزمة ترميز أخرى، مما يتلف الحزمة التي سبقتها. لكن مع VLC، الوضع مختلف. لست بحاجة حتى إلى تثبيت البرنامج لاستخدامه، ما عليك سوى فك ضغطه وسيعمل دون أي مشكلة لتشغيل أي ملف ولن تضطر إلى تثبيت أي حزمة إضافية.
اقرأ أيضا: شرط غريب تضعه شركة روسية حتى تدفع لك 200 ألف دولار مقابل وجهك وصوتك
نجاح باهر
استطاع برنامج VLC تحقيق نجاحًا كبيرًا بفضل العديد من العوامل والتي تشمل ما يلي:
- تمكن الفريق من تطوير برنامج قادر على فك تشفير وتشغيل مجموعة واسعة من تنسيقات الفيديو. في وقت كان فيه المستخدمون يعانون من مشاكل التوافقية ويضطرون لتنزيل حزم الأكواد (Codecs) المعقدة. هذه الميزة الفريدة جعلت من VLC أداة سحرية، قادرة على تشغيل أي ملف وسائط متعددة من أول محاولة.
- ربما لا تكون واجهة المستخدم جميلة، لكن تجربة المستخدم كانت أكثر من رائعة. ما عليك سوى النقر مرتين على ملف وسيعمل. مهما حدث، سيعمل البرنامج ببساطة. يمكنك التشغيل والإيقاف المؤقت والانتقال إلى وضع ملء الشاشة. ثم هناك بالطبع خيارات أكثر تقدمًا. بشكل عام، يعمل البرنامج بسلاسة مع معظم المستخدمين.
- برنامج VLC مجاني بالكامل ومتاح للجميع، ليس فقط بدون تكلفة. بل أيضا بدون إعلانات مزعجة أو برمجيات ضارة أو برامج إضافية غير مرغوبة. هذا النموذج المفتوح المصدر يعتمد على مجتمع من المطورين المتطوعين حول العالم، مما يضمن تطويره المستمر وشفافيته.
اقرأ أيضا: أسماء الأدوات التي توفر أصوات ذكاء اصطناعي ذات إحساس طبيعي ؟
- يتوفر VLC على كل أنظمة التشغيل الرئيسية، بما في ذلك ويندوز وماك أو إس ولينكس بالإضافة إلى الهواتف الذكية (أندرويد و آيفون). هذا التوافر الواسع يضمن أن المستخدمين يمكنهم الاعتماد عليه أينما كانوا.
هذه الأسباب ساهمت في هيمنة في إل سي. حيث تجاوزت عدد مرات تنزيله ستة مليارات، وما زال متاحا للجميع مجانا بالكامل ودون أي قيود حتى الآن. هذا النجاح الهائل يبرهن على أن مبدأ إتاحة البرمجيات للعامة يمكن أن يثمر عن مشاريع عملاقة تتفوق على نظيراتها التجارية.
إغراءات الملايين: قرار صعب ومبدأ راسخ
مع تزايد شعبية البرنامج خارج أسوار الجامعة، بدأت الأنظار تتجه نحوه. تواصلت شركات عملاقة وحتى صناديق استثمار مع فريق التطوير بعروض مغرية للاستحواذ على البرنامج وتحويله إلى منتج تجاري. كانت العروض تصل إلى ملايين الدولارات، خاصةً مع الانتشار الواسع للبرنامج وشهرته في جميع أنحاء العالم.
اقرأ أيضا: المستخدمون غاضبون من GPT-5، ويصفونه بأنه «أغبى» من الإصدارات الأقدم
لكن الفريق، بقيادة كيمبف، كان لديه مبدأ راسخ. كانوا يؤمنون بفلسفة البرمجيات الحرة ومفتوحة المصدر. التي تنص على أن المعرفة والتقنية يجب أن تكونا متاحتين للجميع دون قيود. لقد رأوا في مشروعهم منفعة عامة، وليس مجرد فرصة للربح المالي. كان هدفهم هو أن يمتلك كل شخص أداة قوية ومجانية لتشغيل ملفات الوسائط، دون إزعاج الإعلانات أو القيود. كان قرارهم الصادم هو رفض هذه العروض الضخمة والمحافظة على البرنامج مجانيا ومفتوح المصدر.
في الختام، قصة برنامج VLC تثبت لنا أن القيمة الحقيقية للتقنية ليست دائمًا في الأرباح المالية. ففي عالم تحكمه المصالح التجارية، اختارت مجموعة من الشباب الموهوبين أن يكون مشروعهم ملكًا للجميع، وأن يضعوا حرية الوصول إلى المعرفة فوق كل شيء. هذه القصة لا تتعلق ببرنامج تشغيل وسائط فحسب، بل هي حكاية عن مبدأ راسخ في عالم البرمجيات مفتوحة المصدر، وتذكير بأن بعض الإنجازات العظيمة تبنى على شغف الإبداع لا على إغراءات الثروة، لتظل في النهاية جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية دون مقابل.