الاستدامة في عصر الفضاء: دور الأقمار الصناعية في مساعي دولة الإمارات نحو مستقبل مستدام

مقال ضيف بقلم جميل قعوار، نائب رئيس شركة «ICEYE» لصناعة الأقمار الاصطناعية، عن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.


جنباً إلى جنب مع دول الخليج الأخرى كانت دولة الإمارات العربية المتحدة منذ فترة طويلة مرادفاً لإنتاج الوقود الأحفوري. ومع ذلك ومع تحول العالم إلى الطاقة النظيفة، فإن دولة الإمارات العربية المتحدة تشق طريقاً جديداً لنفسها كدولة رائدة في مجال الطاقة المتجددة. وبفضل صحاريها التي توفر المناخ والطبيعية المثالية لتوليد الطاقة الشمسية، وسواحلها الكبيرة المناسبة بشكل مثالي لمشاريع الأمواج والمد والجزر، فمن السهل أن نرى لماذا تمثل دولة الإمارات العربية المتحدة أكثر من 60% من إجمالي قدرة الطاقة المتجددة في دول مجلس التعاون الخليجي وما يقرب من 70% من استثمارات الطاقة المتجددة الإقليمية، كما يتوقع أن تستمر هذه الاستثمارات بالارتفاع.

اختيار المواقع المناسبة لتوليد الطاقة المتجددة

مع تحول دولة الإمارات العربية المتحدة إلى قوة عالمية في مجال الطاقة المتجددة، ستحتاج الدولة إلى إيجاد طرق فعالة لاختيار مواقع للمنشآت الجديدة والتخطيط لبنائها، ومن ثم إدارة هذه المواقع بمجرد بنائها. وتشمل الاعتبارات الرئيسية لمشاريع الطاقة الشمسية تحديد المواقع لتحقيق أقصى قدر من التعرض لأشعة الشمس، والتغلب على الصراعات المحتملة لاستخدام الأراضي وضمان إمكانية الوصول إلى البناء والصيانة المستمرة، وتقليل التأثير البيئي.

في مشاريع الأمواج والمد والجزر هناك تعقيد إضافي يتمثل في العثور على مواقع تتضمن نطاقات أو تيارات كافية للمد والجزر. وخلال مختلف مراحل التخطيط والصيانة لمشاريع الطاقة المتجددة، يهتم أصحاب المصلحة بتحقيق الحد الأقصى لإمكانات إنتاج الطاقة في مواقعهم وضمان كفاءة التكلفة، ويمكن أن يتحول ذلك بسرعة إلى مهمة تستغرق وقتاً طويلاً وتستهلك مقداراً كبيراً من الموارد.

الاستفادة من بيانات رصد الأرض

لعل أحد الحلول الأهم لهذه التحديات هو تبني الابتكارات في مجال ناشئ آخر في اقتصاد الإمارات العربية المتحدة: تكنولوجيا الفضاء. إذ يَعِد الجيل الجديد من الأقمار الصناعية الصغيرة والمرنة القائمة على تقنية رادار الفتحة التركيبية (SAR) بإضافة قيمة كبيرة إلى عمليات تخطيط، وبناء، وإدارة مشاريع الطاقة المتجددة من خلال تقديم رؤى قيمة لمراقبة الأرض.

ما يميز تقنية SAR عن أنظمة الأقمار الصناعية القديمة هو أنه ومن خلال ارتداد الموجات عن سطح الأرض، يمكن للأقمار الصناعية أن تعمل بغض النظر عن الظروف الجوية وحتى في الليل، كما يمكنها تنفيذ عدد جولات أكبر على مدار اليوم. وتمكن الأقمار الصناعية المستخدمين من جمع كمية أكبر بكثير من البيانات وبدقة صورة أعلى بكثير مما كانت عليه في الماضي. كما أنها تمكن المستخدمين من مراقبة التغييرات التي تطرأ على الموقع بدقة خلال فترة زمنية محددة.

الاستخدام في مشاريع الطاقة الشمسية والمد والجزر

مواضيع مشابهة

تمتلك الأقمار الصناعية التي تستخدم تقنية SAR استخدامات عديدة في مشاريع الطاقة المتجددة، وعندما يتعلق الأمر بمشاريع الطاقة الشمسية فإن حالة الاستخدام الأكثر وضوحاً هي توفير خرائط تفصيلية لاستخدام الأراضي، بما في ذلك قياس ارتفاع الأرض للتنبؤ بالمناطق ذات الحد الأدنى من الظلال، والتي تعتبر مثالية لتركيبات الألواح الشمسية، أو الحفاظ على مسافة كافية بين الكثبان الرملية.

بمجرد تشغيلها، يمكن استخدام أقمار SAR، مثل الأقمار الصناعية الضوئية، لمراقبة البنية التحتية للطاقة الشمسية، مما يضمن بقاء الألواح مثبتة بشكل صحيح ودون عوائق قد تنتنج عن التطورات الجديدة أو نمو الغطاء النباتي. كما يمكن استخدام التكنولوجيا لتتبع قدرة الطاقة في مزارع الطاقة الشمسية من خلال مقارنة إجمالي الأمتار المربعة للنشر مع كمية الطاقة التي تنتجها. ويمكن لهذه البيانات بعد ذلك تمكين المشغلين من تحسين الموقع، كما أنها تتميز بشكل واضح على الأنظمة الضوئية بكون أقمار SAR تتيخ للمشغلين مراقبة المواقع بدقة أفضل بكثير وبشكل مستقل عن النطاق، مما يوفر صوراً عالية الجودة ورؤى أكثر تفصيلاً.

وفي مشاريع الأمواج والمد والجزر، يمكن استخدام تصوير SAR في مرحلة تقييم الموقع الأولية لقياس خشونة سطح المحيط، والتي ترتبط بإمكانيات طاقة الأمواج. ويمكن للأقمار الصناعية كذلك أن توفر رؤى لا تقدر بثمن حول التغيرات الساحلية وانتقال الرواسب، والتي تعتبر ضرورية لتخطيط محطات الطاقة الكهرومائية الساحلية.

عبر كلا نوعي منشآت الطاقة المتجددة، سواء كانت للطاقة الشمسية أو طاقة الرياح، يمكن لتصوير SAR أن يوفر رؤى حول المواقع التي يسهل على فرق البناء والصيانة الوصول إليها، وتقييمات للآثار البيئية المحتملة، ومكان المواقع فيما يتعلق بالبنية التحتية بشبكة الطاقة للمساعدة في ضمان التكامل السلس لمصادر الطاقة المتجددة، وكل ذلك بسرعة ومع فعالية عالية مقارنة بالتكلفة.

تسريع الأجندة الخضراء لدولة الإمارات العربية المتحدة

لقد حددت دولة الإمارات العربية المتحدة لنفسها هدفاً طموحاً يتمثل في تحقيق صافي انبعاثات كربونية صفرية بحلول عام 2050. وسيتطلب تحقيق هذا الهدف الجدير بالثناء تحولاً سريعاً في اقتصادها وبصمتها في مجال الطاقة. حيث إن جغرافيتها ومناخها يعملان لصالحها، وسوف يعملان على تمكين التطورات السريعة لبنية تحتية رائدة حقا في مجال الطاقة المتجددة على مستوى العالم، وهو ما يعني الوصول إلى قدرة طاقة متجددة تبلغ 14.2 جيجاوات في الأمد المتوسط بحلول عام 2030.

ستساعد تقنية الأقمار الصناعية التي تدعم SAR دولة الإمارات العربية المتحدة على تحقيق هذا الهدف من خلال مجموعة من التطبيقات التي يمكن أن تعزز تخطيط وتطوير ومراقبة مواقع الطاقة المتجددة بشكل كبير. بداية من اختيار الموقع، وحتى مراقبة البنية التحتية وتقييمات الأثر البيئي، تجعل القدرة الفريدة لأقمار SAR من حيث توفير بيانات شاملة لرصد الأرض هذه التقنية مورداً لا يقدر بثمن في قطاع الطاقة المتجددة.

بينما يمر العالم في مرحلة انتقال من الوقود الأحفوري إلى البدائل المتجددة الآن، تساعد بيانات SAR وفوائدها في تطوير مجال الطاقات المتجددة في الحفاظ على مكانة دولة الإمارات العربية المتحدة في قلب صناعة الطاقة العالمية آمنة.

شارك المحتوى |
close icon