امتلاك مفاتيح المستقبل: استكشاف تأثير الذكاء الاصطناعي التوليدي

مقال ضيف بقلم أميت راي، العضو المنتدب لشركة Protiviti في الشرق الأوسط. 


مع ظهور روبوت المحادثة الآلي ChatGPT في أواخر عام 2022، بات الذكاء الاصطناعي التوليدي محور اهتمام الجميع بتفاعلاته المذهلة التي تحاكي القدرات الإنسانية. وقد حققت هذه التقنية نقلةً نوعية لناحية استخدامها لأغراض عامة يمكن مقارنتها تاريخياً بالتأثيرات التحولية للمحرك البخاري، والكهرباء، والإنترنت. ومع أن الضجة الأولية للذكاء الاصطناعي التوليدي ربما تتضاءل في خضم تطبيقاته الفعلية على أرض الواقع، لكنّ الإمكانات الحقيقية لهذه التقنية ستتكشف تباعاً مع ظهور تطبيقات مبتكرة تغيّر شكل الأعمال والحياة اليومية للأفراد والمؤسسات.

يحمل الذكاء الاصطناعي التوليدي آثاراً عميقة على الشركات والأفراد؛ إذ يطلق العنان لقدرات الأتمتة، والكفاءة، ووفورات التكلفة للشركات من خلال تسهيل عمليات إنشاء المحتوى ودعم العملاء. كما يتيح لها قدرات أفضل في تخصيص تجارب العملاء، عدا عن الميزة التنافسية التي يوفرها من خلال الابتكار. أما على المستوى الفردي، فتساعد هذه التقنية الأفراد في إنشاء المحتوى، والتعبير عن الذات، واتخاذ قرارات مدروسة.

في القطاعات الإبداعية مثل الموسيقى، والفن، والتصميم، يمكن للفنانين الاستعانة بقدرات الذكاء الاصطناعي التوليدي لإنشاء محتوى فريد، وأتمتة المهام، وامتلاك أدوات إبداعية جديدة. أما في قطاع الرعاية الصحية، فمن المتوقع أن يُحدث نقلةً نوعية في التصوير الطبي، واكتشاف الأدوية، وخطط العلاج الشخصية، مما يساهم في تحسين مستويات التشخيص ورعاية المرضى. أما في قطاع التصنيع، فيساهم الذكاء الاصطناعي في تعزيز العمليات، وتحسين كفاءات التصميم، وتقليل النفايات، وزيادة كفاءة الإنتاج. وفي مجال التمويل والمصارف، سيساعد الذكاء الاصطناعي التوليدي في تسهيل اكتشاف عمليات الاحتيال، وتقييم المخاطر، والتداول الخوارزمي، مما يعزز عملية اتخاذ القرار وتحسين خدمات وتجارب العملاء.

كانت دول الخليج من أوائل الدول التي تبنت هذه التكنولوجيا؛ فقد أطلق معهد الابتكار التكنولوجي، المدعوم من حكومة أبوظبي، النموذج اللغوي الضخم «فالكون» لتعزيز قدرات الذكاء الاصطناعي في المنطقة. ويمثل «فالكون» نموذجاً مفتوح المصدر للاستخدامات البحثية والتجارية على حدٍ سواء، وسيساهم بتوسيع انتشار الذكاء الاصطناعي في دولة الإمارات. وفي أكتوبر الماضي، أعلنت مؤسسة دبي للمستقبل عن تحالف دبي للذكاء الاصطناعي؛ وهو تحالف يضم شركات التكنولوجيا التي توظف شبكاتها وخبراتها الدولية لمواجهة التحديات الحكومية المعقدة. وأعلنت دبي في وقتٍ لاحق عن «البطولة العالمية للهندسة الفورية» بجائزة كبرى تبلغ قيمتها 272,290 دولار أمريكي، مما يجعلها التحدي الأكبر من نوعه على الإطلاق.

في الوقت ذاته، ذكرت وسائل الإعلام أن المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات تشتريان الآلاف من رقائق الذكاء الاصطناعي عالية الأداء والضرورية لبناء منصات الذكاء الاصطناعي؛ إذ تسعى الدولتان إلى تنفيذ خطط طموحة من شأنها تعزيز اقتصاديهما.

الحد من مخاطر الذكاء الاصطناعي التوليدي وضمان استخدامه بشكل مسؤول

لا شك أن مضاعفة قدرات الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى أقصى حد ممكن يستوجب توظيفاً متوازناً لقدراته الهائلة، واتباع نهج استباقي لمعالجة المخاطر المترتبة عنه. ويتعين في هذا السياق مراعاة العديد من الاعتبارات الرئيسية لضمان استخدامه بشكل مسؤول، والتخفيف من آثاره السلبية.

تؤكد المخاوف الأخلاقية الناشئة عن سوء الاستخدام المحتمل للمحتوى الناتج عن الذكاء الاصطناعي، والتحيزات في بيانات التدريب، والتهديدات لخصوصية البيانات، على أهمية الاستخدام المسؤول، والشفافية، والمساءلة. ولا تقتصر ضرورة هذه الإجراءات على الحد من المخاطر فحسب، بل تتعداها للحفاظ على ثقة الجمهور.

مواضيع مشابهة

في ضوء هذه المخاطر المحتملة، يشكل التنظيم ضرورة حتمية لا بد منها؛ وقد بدأت الحكومات تعاونها لكبح جماح تطبيق هذه التقنيات القوية. ودعا خلفان بالهول، الرئيس التنفيذي لمؤسسة دبي للمستقبل، خلال إطلاق تحالف دبي للذكاء الاصطناعي، إلى توحيد الجهود العالمية لمواجهة التحديات الهائلة الناتجة عن الذكاء الاصطناعي، وأكّد على ضرورة تعاون التحالفات المشتركة لتصميم وتنفيذ لوائح تنظيمية أكثر فعالية ومرونة.

كانت الصين أول من بادر إلى ذلك؛ إذ وضعت قائمة شاملة من القواعد لتنظيم تقنيات الذكاء الاصطناعي الناشئة قبل السماح لشركات التكنولوجيا الصينية بإطلاق تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي. وتبعتها في ذلك الولايات المتحدة مع إصدار الرئيس الأمريكي بايدن أمراً تنفيذياً في أكتوبر الماضي بشأن «الذكاء الاصطناعي الآمن، والمأمون، والجدير بالثقة». ويهدف هذا الأمر التنفيذي إلى ضمان مكانة أميركا في قيادة جهود إدارة مخاطر الذكاء الاصطناعي. وفي الوقت نفسه، يهدف قانون الاتحاد الأوروبي المتعلق بالذكاء الاصطناعي لتحويل أوروبا إلى مركز عالمي للذكاء الاصطناعي الموثوق من خلال وضع قواعد متسقة تحكم تطوير، وتسويق، واستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الاتحاد الأوروبي.

علاوةً على ذلك، فإن الاعتماد على كميات هائلة من البيانات في أنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدي يفتح الباب أمام ثغرات أمنية خطيرة. وتعتبر الإجراءات الأمنية الحاسمة أمراً جوهرياً للحماية من انتهاكات الخصوصية أو التلاعب الضار بالمحتوى الذي يُنشِئه الذكاء الاصطناعي. ربما يتجاوز التقدم السريع للذكاء الاصطناعي التوليدي الأطر القانونية والتنظيمية، مما يؤدي إلى مواجهة تحديات قانونية وأخلاقية. ويعد التعاون مع الخبراء القانونيين أمراً ضرورياً لمعالجة قضايا حقوق الملكية الفكرية، والمساءلة، والمسؤولية، والحوكمة.

لا تزال خسارة الوظائف تشكل هاجساً كبيراً مع قيام الذكاء الاصطناعي بأتمتة المهام، مما يستلزم التخطيط الاستباقي من المجتمع. ويعتبر الاستثمار في برامج إعادة تكوين المهارات وتحسينها أمراً مهماً للحد من الآثار السلبية للذكاء الاصطناعي على عملية التوظيف.

ثمة أيضاً خطر المبالغة في تقدير قدرات الذكاء الاصطناعي التوليدي، مما يقود إلى توقعات غير واقعية تفضي إلى خيبة الأمل، وإهدار الموارد، وضياع الفرص. ويعتبر الفهم المتوازن لحدود قدرات التكنولوجيا أمراً حيوياً لضمان تبنيها بشكل مسؤول. وتتطلب معالجة هذه المخاطر اتباع نهج تعاوني يضم الباحثين، والمستخدمين، وصُنّاع السياسات، والجماهير.

مع نجاح العالم بإحراز تقدم ملموس في معالجة بعض الآثار السلبية لتغير المناخ، ثمة مخاوف من تسبب الذكاء الاصطناعي بخسارة هذه المكاسب. وتقدّر دراسة تحليلية نُشرت في أكتوبر الماضي أن أنظمة الذكاء الاصطناعي حول العالم قد تستهلك نفس القدر من الطاقة الذي تستهلكه السويد بكاملها بحلول عام 2027. لذلك يتعين مناقشة موضوعي الاستدامة وتطوير الذكاء الاصطناعي على نحو متزامن.

بعد عامٍ واحد تماماً على إطلاق ChatGPT الذي حقق نجاحاً منقطع النظير، جمعت دبي في مؤتمر الأطراف «COP28» نخبةً من قادة الأعمال والسياسيين العالميين لمعالجة آثار تغير المناخ. وأشارت الأمم المتحدة مع انطلاق أعمال المؤتمر إلى تعاونها مع مايكروسوفت في تطوير أداة تعمل بالذكاء الاصطناعي لرصد مدى وفاء الدول بالتزاماتها للحد من انبعاثات الوقود الأحفوري، ومن شأن ذلك أن يساعد على حل واحدة من أكثر القضايا الشائكة في دبلوماسية المناخ الدولية.

يمكن لقادة الحكومات والأعمال في منطقة الشرق الأوسط اغتنام الفرص التي يوفرها الذكاء الاصطناعي التوليدي عبر توخي المرونة والقدرة على التكيف في هذا المجال المتطور؛ ويكون ذلك من خلال تبني عقلية مرنة، والانفتاح على الاحتمالات كافة، والتعاون مع الخبراء القانونيين، ومراقبة التأثير؛ إذ يتيح ذلك للمؤسسات الاستفادة من الفرص الناتجة عن الذكاء الاصطناعي، وضمان الامتثال، وامتلاك القدرات التنافسية. ولا شكّ أنّ التحضير الاستباقي للتحولات الجذرية التي سيحققها الذكاء الاصطناعي التوليدي سيساعد المؤسسات على استكشاف المشهد المتطور لهذه التكنولوجيا والاستفادة من قدراتها لتحقيق الازدهار.

من خلال اتخاذ هذه الخطوات الشاملة، يمكن للمؤسسات التحضير استباقياً لمواجهة تبعات التحول الجذري المحتمل الناجم عن الذكاء الاصطناعي التوليدي. ويتيح لها ذلك الاستفادة من قدرات الذكاء الاصطناعي، واستكشاف مشهده المتطور، والبقاء في صدارة المنافسة.

شارك المحتوى |
close icon