كيفية التحوّل الرقمي في الخدمات العامة والتخلّص من الالتزامات المالية لتكنولوجيا المعلومات

مقال ضيف بقلم نضال عزبة، رئيس الهندسة التقنية لدى كيندريل الشرق الأوسط، تركيا وإفريقيا

 


 

لعقود عديدة ظلّ التركيز قائماً على تسريع التحوّل الرقمي في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، تلبيةً للاستراتيجيات الرقمية الوطنية الطموحة وتوقعات المواطنين المتزايدة، لا سيما وأن المنطقة تُعدّ اليوم إحدى أسرع مناطق العالم نمواً وأكثرها تنافسيةً في ضوء الإقبال المتزايد في بلدان المنطقة على تبني التقنيات الرقمية المتطورة، وهو ما تؤكّده التوقعات التي تشير إلى أن الإنفاق السنوي على التحوّل الرقمي على امتداد الشرق الأوسط وإفريقيا سوف يتجاوز 58 مليار دولار بحلول العام 2025، وفقاً لشركة “آي دي سي”.

 

سوف تُدرِك أي مؤسسة شرعت في مشروع التحوّل الرقمي أنه ثمّة تحدّيات كبيرة ماثلة أمامها يجب التغلّب عليها. وبالرغم من عِظم المنافع المنشودة من التحوّل الرقمي والتي يستحيل تجاهلها، فإن الحواجز التي تواجهها المؤسسات في طريق النجاح تظلّ معقّدة ومتنوعة، فإذا أضفنا إليها تطبيقات الخدمات العامة القديمة، فإننا سوف ننفتح على مستوى جديد تماماً من التعقيدات.

 

سواء تعلّق الأمر بالضغوط لخفض التكاليف، أو المصالح المتنافسة التي تعرقل الإجراءات، فإن تطوير المنتجات وتسليمها قد يكون أصعب بكثير مما هو عليه في القطاع الخاص، نظراً لأن اللوائح الصارمة والسياسات الأمنية ومتطلبات حماية البيانات في البيئات المحلية ليست سوى بعض التحديات التي تواجهها المؤسسات الحكومية في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا.

 

لأسباب عديدة، ارتفعت الالتزامات المالية المرتبطة باستثمار القطاع العام في تقنية المعلومات على مدى عدّة سنوات. على أن القيود المستمرّة المفروضة على الموازنات المالية، بجانب محدودية الموارد، أوجدت في الغالب ذريعة سهلة لتأجيل مشاريع الصيانة والتحديث، التي تتطلب وقتاً طويلاً وموارد بشرية عديدة، لصالح المكاسب السريعة.

 

علاوة على ذلك، خضعت المنصات القديمة التي طُورت وشُغّلت عليها العديد من الأنظمة التقنية في مؤسسات القطاع العام، إلى عمليات تطوير كبيرة على مدار سنوات عديدة. ولأن هذه الأنظمة تدعم العمليات الحرجة فإن من الصعب الحصول على الاعتمادات اللازمة لـتعطيلها مؤقتاً من أجل إجراء التحسينات عليها، هذا عدا عن صعوبة الانتقال بها إلى منصات وبنى تحتية أحدث وأكثر تطوّراً.

 

كثيراً ما كان لدى المؤسسات في القطاعين العام والخاص رأي سطحي حول المتطلبات اللازمة لمعالجة الالتزامات المالية الخاصة بالجوانب التقنية من الأعمال، فيما ظلّت هذه المؤسسات تركّز في الغالب على التعامل مع المكونات التي غالباً ما تقع خارج دائرة الدعم بدلاً من التركيز على المشكلات الأساسية، الأمر الذي فاقم من وضع تلك الالتزامات المالية، وقلّل بالتالي من إنتاجية القوى العاملة، وأحدث التثبيط في الابتكار، وأبقى على الركود في الخدمات العامة من خلال الافتقار إلى المرونة.

 

إن الخطوة الأولى التي ينبغي لمؤسسات القطاع العام اتخاذها إذا ما أرادت معالجة هذه المشكلة، تتمثل في أن عليها المسارعة إلى أن تقيّم وتفهم الخدمات المطلوبة لتنفيذ السياسات الحالية وخدمة المتعاملين بطريقة أكثر فاعلية. وسيكون بوسع المؤسسات عبر اللجوء إلى هذه الاستراتيجية، تصميم نموذج التشغيل المستهدف لا من أجل دعم تلك الأهداف وحدها فحسب، ولكن أيضاً لإعداد عمليات وتقنيات تتسم بالقدر الكافية من المرونة التي تكفل لها التكيّف مع الاحتياجات المستقبلية. بعد ذلك، فإن فهم المسؤولين التنفيذيين وفرقهم لنموذج التشغيل المستهدف سيسمح لهم باتخاذ قرارات مستنيرة بشأن الأساليب التي يجب اتباعها، والتقنيات التي يمكن الاحتفاظ بها، وتلك التي يجب استبدالها، وبشأن اعتماد الخدمات السحابية العامة أو الخاصة في بيئة هجينة شاملة.

 

إن وجود نموذج للتشغيل المستهدف يفسح المجال أمام المؤسسات لتحديد الأولويات ويمكّنها من فهم الاستثمارات المطلوبة وإنشاء الفرق المؤسسية وهياكل الفرق ضمن برنامج مُحكَم لسداد الالتزامات المالية المتعلقة بالاستثمارات التقنية.

 

هذا، وبالإمكان اتخاذ قرارات مستنيرة لكل خدمة تجارية أو تطبيق مع خيارات تشمل عادةً:

 

إحالة الأنظمة القديمة إلى التقاعد والشروع في بداية جديدة

 

مواضيع مشابهة

ينبغي تقييم ما إذا كان الأمر يستحق تحديث التقنيات الأساسية، والتفكير في ما إذا كان من الأسهل والأنفع ترحيل العمليات والبيانات التجارية إلى نظام جديد، قد يكون عبارة عن منصة حديثة لتقديم البرمجيات كخدمة (SaaS) أو تطبيق بديل أخف وزناً وقائم على الخدمات الدقيقة. وهنا تجدر الإشارة إلى أن نقل الخدمات القديمة إلى منصة مناسبة لتقديم البرمجيات كخدمة، يعني نقل الأخطار والتكاليف المرتبطة بتطوير البرمجيات والتطبيقات والبنية التحتية، وصيانتها، إلى الجهة المسؤولة عن تقديم هذه المنصة.

 

تجديد المنصات

 

عندما يغدو نموذج تقديم البرمجيات كخدمة خياراً غير متاح أو مناسب، فإن إنشاء المنتجات وفقاً لنموذج تقديم “المنصات” كخدمة (PaaS) قد يقلّل أخطار الالتزامات المالية التقنية عن طريق نقل مسؤوليات الصيانة والإصلاح والتحديث التي تتطلبها المنصات وأنظمة التشغيل والبرمجيات الوسيطة إلى مقدم الخدمات السحابية. ولكن بالنظر إلى أن الانتقال إلى نموذج تقديم المنصات كخدمة يتطلّب إعادة هيكلة التطبيقات القديمة لتلائم المنصات التي يتيحها مقدم الخدمة، فقد يستغرق الانتقال وقتاً طويلاً. ومع ذلك، فإنه وبمجرد اكتماله، يُعفي المبرمجين تماماً من أوقات الصيانة، ما يتيح لهم نشر التطبيقات الجديدة بشكل أسرع.

 

الرفع والتحويل

 

إحدى أسهل الطرق وأقلّها تكلفة لترحيل مهام العمل الحالية إلى السحابة تتمثل في الانتقال إلى نموذج تقديم البنية التحتية كخدمة (IaaS)، والذي يُوصف أحياناً بعبارة “الرفع والتحويل”، نظراً لنقل الأنظمة في صورتها الحالية وبأقلّ قدر من التغييرات، مع تشغيلها على موارد السحابة الأصلية. ويُعدّ هذا الخيار مفيداً إذا كانت الالتزامات المالية تكمن في الأجهزة ومواقع الاستضافة، ولكنه عادةً غير مناسب إذا كانت الالتزامات تتعلق بالتطبيقات أو البرمجيات. وبالحضور المتزايد لخيارات الاستضافة السحابية في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، يصبح نموذج الرفع والتحويل مفيداً إذا جاء ضمن برنامج طويل المدى، أي بشراء المزيد من الوقت لتحديث التطبيقات مرّة واحدة في السحابة العامة وتحريرها من الأخطار المباشرة المرتبطة بتقادم الأجهزة أو إغلاق المرافق والمنشآت.

 

التحديث في الموقع

 

يمكن للمؤسسات اختيار التغيير البطيء لنظام قديم عن طريق استبدال مكونات معينة خلال مدة زمنية. وثمّة العديد من المتغيرات المرتبطة بهذا النهج، ولكن أحد أكثرها شيوعاً ما يُعرف بنمط Strangler Fig الذي يتضمن إنشاء منطقة هبوط موازية والانتقال ببطء من مكونات التطبيق الحالية إلى المكونات الجديدة، حيث يجري تنفيذ وظائف وخدمات بديلة، وذلك إلى أن يتمّ في النهاية إحالة جميع الأنظمة القديمة إلى التقاعد.

 

وأياً كان النموذج أو النهج الذي يتمّ تبنّيه، وبمجرد التخلّص من الالتزامات المالية التقنية، فإن هذه ليست نهاية المطاف؛ فالحفاظ على نموذج التشغيل المستهدف، عبارة عن عملية مراقبة مستمرّة للتأكّد من أن تلك الالتزامات لن تبدأ في التراكم مرة أخرى، وهنا لا بدّ من إسداء بعض النصائح لتجنّب حدوث ذلك:

 

  • الحرص على تشغيل فرق تعمل على صيانة المنتجات وتحديثها باستمرار بدلاً من إخضاعها لمشاريع دورية كبيرة. قد يبدو مستوى الاستثمار المستمر مرتفعاً، لكن التكلفة الإجمالية للملكية ستكون أقلّ، مع الحفاظ على مستوى المنتج نفسه، ودعم الابتكار وتجنب تراكم الالتزامات المالية.
  • الحفاظ على خرائط الطريق التقنية ومراجعتها بانتظام، مع تضمين التحديث التقني مقدماً في الاستثمارات.
  • تنفيذ منهجية التطوير والأمن والعمليات، ومنهجية البنية التحتية الحديثة، واعتمادها بوصفها منهجيات برمجية لضمان إمكانية تحديث الخدمات وإعادة توظيفها بسهولة.
  • الأخذ في الاعتبار خيارات مثل بناء التطبيقات وتسيير مهام العمل من دون برمجة أو ببرمجة قليلة، أو بالاعتماد على الأتمتة الروبوتية للعمليات، حيثما كان مناسباً، مع تجنّب الحاجة إلى كتابة التعليمات البرمجية والحفاظ عليها.
  • تصميم خدمات متناهية الصغر فوق وحدات كبيرة متراصة، ما يتيح تحديث أجزاء من التطبيقات وتطويرها بمعزِل عن بقية أجزاء الخدمة. وتساعد في هذا الجانب الاستعانة بمبادئ التجريد، بالإضافة إلى تصميم المكونات أو الخدمات التي سيتم ربطها باستخدام واجهات برمجة التطبيقات والاقتران الضعيف.

 

إذا كانت الالتزامات المالية المترتبة على الإنفاق على تقنية المعلومات تُشعرك بالإرهاق، فما عليك سوى الاتصال بشريك تثق به يمكنه المساعدة في تقديم المشورة وبناء النظم، وإذا لزم الأمر، إدارة التحوّل الرقمي في مؤسستك.

شارك المحتوى |
close icon